في يونيو 2023، قدم تيم كوك نظارة فيجن برو (Vision Pro) كأول كمبيوتر مكاني من آبل؛ يمزج هذا الكمبيوتر المحتوى الرقمي مع العالم المادي بسلاسة، مع السماح للمستخدمين بالبقاء حاضرين ومتصلين بالآخرين. وأضاف كوك أنه بعد الحوسبة المكتبية والمحمولة، فإن عصر التكنولوجيا الكبير القادم سيكون الحوسبة المكانية.
لكن الحوسبة المكانية لا تزال مفهوماً غامضاً، فهل هي الواقع المعزز! إذ أصر تيم كوك أيضاً على أن فيجن برو جهاز واقع معزز؛ أم هي أكثر تعقيداً وتشمل الواقع المختلط أو أنها تشمل كل هذه المفاهيم وأكثر.
ما هي الحوسبة المكانية؟
الحوسبة المكانية تتعلق بالبشر والمساحات المحيطة بنا فكل نظام كمبيوتري يدير التفاعل بين الإنسان والمساحات المحيطة به هو حوسبة مكانية أياً كانت التقنيات المستخدمة في ذلك ومهما كان التفاعل بسيطاً.
وبهذا يعتبر النظام الحاسوبي الذي يطفئ الأنوار عند الخروج من الغرفة نوع من الحوسبة المكانية؛ كما تعتبر تطبيقات الواقع المختلط التي تبني بيئة رقمية ثلاثية الأبعاد للمحيط وتمكننا من التفاعل معه رقمياً مع مراعاة كافة قوانينه الفيزيائية في الزمن الحقيقي من أكثر تطبيقات الحوسبة المكانية تعقيداً اليوم.
رغم أن الفضل للانتشار الحديث لمصطلح الحوسبة المكانية يعود لتيم كوك؛ لكنه تم تعريفه بدقة عام 2003 عندما نشر سايمون جرينوولد أطروحة مفصلة حول هذا المفهوم، وكتب أن الحوسبة المكانية هي:" أي تفاعل بين البشر والآلات بحيث ترتبط الآلات بشيء أو غرض أو مساحة حقيقية في محيط البشر وتعني لهم شيئاً".
جادل جرينوولد أنه حتى تنظيف المراحيض أوتوماتيكياً يعد شكلاً بدائياً من الحوسبة المكانية لأن المرحاض يستشعر حركة المستخدم وهو يبتعد ثم يقوم بتنظيف نفسه.
فالحوسبة المكانية هي مفهوم يندرج تحته عدد كبير من المفاهيم مثل الواقع الافتراضي والمعزز والمختلط وكل التقنيات المستخدمة لتحقيقها كتقنيات الذكاء الاصطناعي و الرؤية الحاسوبية والنمذجة ثلاثية الأبعاد وغيرها.
كيف تعمل الحوسبة المكانية؟
يعد الواقع المختلط حالياً هو التطبيق الأكثر تقدماً في الحوسبة المكانية، ونظارة Vision Pro هي جهاز الحوسبة المكانية الأكثر تقدماً.
يقوم الجهاز أولاً ببناء نموذج ثلاثي الأبعاد للبيئة المحيطة باستخدام بيانات من مصادر مختلفة بما في ذلك الكاميرات وأنواع مختلفة من أجهزة الاستشعار. يستمر الجهاز في تحديث هذا النموذج ثلاثي الأبعاد في حال حدوث أي تغيير في البيئة مثل مرور شخص ما.
بعد ذلك يمكننا التفاعل مع انعكاس المساحات الحقيقية في النموذج ثلاثي الأبعاد، بحيث يمتزج العالم الواقعي مع المحتوى الرقمي بسلاسة؛ فيمكن أن نشاهد فيلم على الحائط، ونضع مستند وورد على الطاولة، وتطبيق البريد إلكتروني على النافذة.
التفاعل الأكثر تقدماً مع البيئة مثل لعب لعبة ضمن محيطنا؛ كرمي كرة صغيرة يجب أن تقوم بالمرور تحت الطاولة وتخرج من الجهة المقابلة وتخف سرعتها حسب السطح الذي تمر عليه؛ كل هذا يتطلب ليس تمثيل ثلاثي الأبعاد فقط بل بناء توأم رقمي للمحيط يتم فيه تمثيل القوانين الفيزيائية وهذا غير متوفر حالياً في كويست 3 أو فيجن برو لأنه يحتاج إلى الكثير من الحسابات الضخمة.
ما هو مستقبل الحوسبة المكانية؟
تقدم الحوسبة المكانية تجربة غنية وفريدة لتفاعل الإنسان مع المحتوى الرقمي. ولها تطبيقاتها في مختلف المجالات من التعليم والتدريب والعمل إلى الألعاب والتسلية.
ويعتمد تبني الجمهور لها على عدة عوامل: السعر وسهولة الاستخدام والفوائد التي تقدمها من حيث المتعة أو الإنتاجية.
يتضح من تعليقات المشترين على نظارة فيجن برو أننا ما زلنا في البداية؛إذ يشتكي الكثيرون من الانزعاج وقلة الإنتاجية، لكن الغالبية أجمعت على التجربة الغامرة لمشاهدة الأفلام ثلاثية الأبعاد.
ولذلك، فإن مستقبل الحوسبة المكانية يتوقف على التطورات البرمجية التي تأخذ في الاعتبار تفضيلات وسلوك كل مستخدم، وعلى الابتكارات في الأجهزة التي تجعلها مريحة وخفيفة وسهلة الاستخدام.
قد يتطلب ذلك تغييراً في التصميم والمواد والبطاريات، واستخدام أجهزة أبسط يمكن ارتداؤها، ونماذج ذكاء اصطناعي أسرع وأكثر دقة لتفسير الأصوات البشرية وحركات العين واليدين وحتى طريقة معالجة مختلفة قد تعتمد على الحوسبة السحابية .
سينخفض السعر، وسيزداد المحتوى وحالات الاستخدام، إنها مسألة وقت فقط.
بعد أن أطلقت شركة أبل سماعات الرأس الخاصة بها، أصبحت الحوسبة المكانية ساحة جديدة للمنافسة بين عمالقة التكنولوجيا مثل أبل وميتا. لقد كانت المنافسة دائماً القوة الدافعة لتطوير منتجات أفضل وبناء تجارب رقمية إبداعية