كشفت مختبرات جامعتي شنغهاي جياو تونغ وتسينغهوا في الصين عن إنجاز تقني بارز تمثل في شريحة "LightGen" الضوئية، التي أظهرت الاختبارات المعيارية تفوقاً كاسحاً لها على وحدة المعالجة الرسومية Nvidia A100، محققة سرعة وكفاءة في استهلاك الطاقة تتجاوز 100 ضعف.
هذا الفارق الهائل لا يعكس مجرد تحسين تدريجي في عمليات التصنيع، بل يمثل قفزة نوعية تنتقل بالحوسبة من العصر الإلكتروني المعتمد على الترانزستورات وتدفق الإلكترونات، إلى العصر الفوتوني الذي يسخر جزيئات الضوء لنقل ومعالجة البيانات، مما يتيح تجاوز العقبات الفيزيائية التقليدية، كالحرارة والمقاومة الكهربائية، التي بدأت تعيق تطور الشرائح التقليدية.
تعتمد LightGen في بنيتها الهندسية الدقيقة على تقنية تكامل واسعة النطاق، حيث نجح الباحثون في دمج أكثر من مليوني عصبون ضوئي داخل مساحة مضغوطة لا تتجاوز 137 مليمتراً مربعاً، وهو ما يعكس كثافة عالية جداً في المكونات البصرية.
وتترجم هذه البنية الفريدة إلى أرقام أداء مذهلة؛ إذ تبلغ قدرة المعالجة للشريحة حوالي 35700 تيرا عملية في الثانية، والأهم من ذلك هو معيار الكفاءة الطاقية الذي سجل 664 تيرا عملية لكل واط. تعني هذه الأرقام أن الشريحة قادرة على تنفيذ عمليات حسابية معقدة على كميات هائلة من البيانات باستخدام نزر يسير من الطاقة مقارنة بالمعالجات الحالية، مما يقدم حلاً جذرياً لمعضلة التبريد واستهلاك الكهرباء في مراكز البيانات الضخمة.
يكمن سر هذه السرعة والكفاءة في آلية العمل الفيزيائية للشريحة؛ فبدلاً من الاعتماد على البوابات المنطقية الإلكترونية، تستخدم LightGen الخصائص الموجية للضوء، مثل التداخل والحيود، لتنفيذ عمليات "ضرب المصفوفات" الضرورية للذكاء الاصطناعي داخل ما يُعرف بـ "الفضاء الكامن البصري". تتيح هذه التقنية معالجة البيانات وهي في حالتها الضوئية دون الحاجة للتحويل المتكرر والمكلف بين الإشارات الضوئية والكهربائية، مما يزيل "عنق الزجاجة" الزمني ويجعل زمن التأخير شبه معدوم. كما أن عبور الضوء عبر الموجهات الموجية لا يواجه مقاومة أومية تُذكر، مما يفسر الغياب شبه التام للحرارة المهدرة مقارنة بالأسلاك النحاسية في الشرائح التقليدية.
صُممت هذه القدرات خصيصاً لتلبية متطلبات الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث أثبتت الشريحة كفاءة استثنائية في مهام الرؤية الحاسوبية وتوليد المحتوى البصري عالي الدقة. ورغم هذا التفوق، لا تعمل LightGen كبديل مستقل للمعالج المركزي في الحواسيب التقليدية، بل يتم توظيفها كمعالج مساعد أو مسرّع هجين يعمل جنباً إلى جنب مع الأنظمة الإلكترونية؛ حيث تتولى تنفيذ العمليات الحسابية الخطية الثقيلة الخاصة بنماذج الذكاء الاصطناعي بسرعة الضوء، بينما تترك مهام التحكم المنطقي وتخزين الذاكرة للمعالجات الإلكترونية، مما يخلق توازناً مثالياً بين المرونة والسرعة الفائقة.
تنقل شريحة LightGen الحوسبة الضوئية من أروقة المختبرات إلى واقع التطبيق العملي، مقدمةً طوق نجاة لمراكز البيانات المستنزفة للطاقة. إنها إشارة واضحة إلى أن مستقبل الذكاء الاصطناعي لن يعتمد فقط على تصغير الترانزستورات، بل على تسخير الضوء ليكون عنصر أساسي في معالجة المعلومات.