حتى ليلاً.. كيف يتم تحديد أماكن إطلاق الصواريخ الإيرانية؟

بقلم:   تامر كرم           |  June 17, 2025

monitor

لا يُعتمد في تحديد مواقع إطلاق الصواريخ بشكل عام، والإيرانية بشكل خاص، على تقنية واحدة فقط، بل تعمل مجموعة من التقنيات معاً لجمع أكبر كمية من المعلومات وتحليلها للتوصل إلى مكان الإطلاق بدقة عالية في الليل والنهار.

تشمل هذه التقنيات الأقمار الصناعية والرادارات الأرضية والمسيرات التجسسية والجواسيس على الأرض الذين يزرعون الكاميرات والرادارات في أماكن قريبة. ونناقش أبرز هذه التقنيات:

1- الأقمار الصناعية: عيون الفضاء

الأقمار الصناعية هي العمود الفقري للمراقبة العالمية، حيث توفر تغطية واسعة ومستمرة للأرض. تُستخدم ثلاثة أنواع رئيسية من الأقمار الصناعية لرصد إطلاق الصواريخ:

أ. الأقمار الصناعية ذات الكاميرات البصرية

تُستخدم هذه الأقمار لالتقاط صور عالية الدقة للأرض، وتعمل عادةً في النهار أو في ظروف الإضاءة الجيدة. تُوضع هذه الأقمار في مدارات منخفضة (LEO) على ارتفاع يتراوح بين 200 و800 كيلومتر. دقة الصور قد تصل إلى 30 سنتيمتراً، مما يتيح رؤية تفاصيل دقيقة مثل مواقع الإطلاق المحتملة، المركبات العسكرية، أو البنية التحتية. على سبيل المثال، أقمار مثل "WorldView-4" توفر صوراً بصرية عالية الوضوح لرصد تحركات المعدات العسكرية.

العيوب: لا تعمل بكفاءة ليلاً أو في الظروف الجوية السيئة مثل الغيوم.

ب. الأقمار الصناعية الحرارية (الأشعة تحت الحمراء)

تعتمد هذه الأقمار على كاميرات الأشعة تحت الحمراء لرصد الحرارة الناتجة عن إطلاق الصواريخ، حتى في الظلام الدامس أو تحت الغطاء السحابي. تكتشف هذه الأقمار التغيرات الحرارية الناتجة عن محركات الصواريخ، التي تصل حرارتها إلى آلاف الدرجات، مما يجعلها مرئية بوضوح. أنظمة مثل SBIRS (نظام الأشعة تحت الحمراء الفضائية) تُستخدم لهذا الغرض، ودقتها الحرارية تكفي لتحديد موقع الإطلاق بدقة تصل إلى بضعة أمتار.

الميزة: فعالة ليلاً وفي الظروف الجوية السيئة.

ج. الأقمار الرادارية (SAR)

الأقمار الرادارية تستخدم تقنية الرادار ذو الفتحة الاصطناعية (Synthetic Aperture Radar) لإنتاج صور ثلاثية الأبعاد للأرض بغض النظر عن الإضاءة أو الطقس. تُوضع في مدارات منخفضة (400-800 كيلومتر) وتوفر دقة تصل إلى 1 متر أو أقل. تُستخدم لمراقبة التغيرات في التضاريس أو اكتشاف منصات الإطلاق المتنقلة. أقمار مثل Sentinel-1 أو COSMO-SkyMed تُستخدم لهذا الغرض.

الميزة: تعمل في جميع الأوقات والظروف الجوية.

2- المسيّرات المتخفية: المراقبة القريبة

المسيّرات (الطائرات بدون طيار) تُستخدم لمراقبة مواقع الإطلاق المحتملة عن قرب. المسيّرات المتخفية مثل RQ-170 Sentinel أو المسيّرات الإسرائيلية Hermes 900 مزودة بتقنيات الشبح، مما يجعلها صعبة الاكتشاف. تحمل هذه المسيّرات كاميرات بصرية وحرارية، وتعمل على ارتفاعات منخفضة إلى متوسطة. تُستخدم لمراقبة المناطق المشتبه بها، مثل المنشآت العسكرية أو المناطق النائية التي قد تُستخدم لإطلاق الصواريخ. توفر هذه المسيّرات بيانات في الوقت الحقيقي، مما يساعد في تأكيد المعلومات من الأقمار الصناعية.

الميزة: دقة عالية جداً وقدرة على التحليق لفترات طويلة (تصل إلى 24 ساعة).

العيوب: نطاق تغطية محدود مقارنة بالأقمار الصناعية.

3- الجواسيس الأرضيون والكاميرات التجسسية

الاستخبارات البشرية (HUMINT) تلعب دوراً هاماً في تحديد مواقع الإطلاق. يتم نشر جواسيس أو عملاء ميدانيين في مناطق استراتيجية لمراقبة التحركات العسكرية. يتم دعم هؤلاء العملاء بكاميرات تجسسية بصرية وحرارية مزروعة في مواقع حساسة، مثل الطرق المؤدية إلى منصات الإطلاق أو القواعد العسكرية. هذه الكاميرات صغيرة الحجم ومزودة بتقنيات التخفي، وتعمل على إرسال بيانات مباشرة عبر شبكات آمنة.

الميزة: توفر معلومات دقيقة عن التحركات البشرية واللوجستية.

العيوب: تعتمد على المخاطرة البشرية وقد تكون محدودة في المناطق النائية.

4- الرادارات الأرضية: رصد الصواريخ بعد الإطلاق

بعد إطلاق الصاروخ، تبدأ الرادارات الأرضية بالعمل. أنظمة الرادار مثل AN/TPY-2 أو Aegis تستطيع التقاط مسار الصاروخ، تحديد زاوية الإطلاق، وتتبع نقطة الانطلاق. تعمل هذه الرادارات على مبدأ انعكاس الموجات الكهرومغناطيسية، مما يتيح تحديد موقع الإطلاق بدقة تصل إلى بضعة أمتار. تُنشر هذه الرادارات في مواقع استراتيجية، مثل الحدود أو السفن الحربية في البحر.

الميزة: سرعة الاستجابة والدقة في تتبع الصواريخ.

العيوب: تعتمد على الإطلاق الفعلي للصاروخ.

تُجمع البيانات من الأقمار الصناعية، المسيّرات، الجواسيس، الكاميرات التجسسية، والرادارات في مراكز قيادة مركزية. تُستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة لدمج هذه المعلومات وتحليلها. على سبيل المثال:

الصور البصرية تُستخدم لتحديد مواقع منصات الإطلاق المحتملة.

البيانات الحرارية تؤكد عملية الإطلاق من خلال رصد الحرارة.

الرادارات الأرضية توفر بيانات دقيقة عن نقطة الانطلاق.

الاستخبارات البشرية تضيف سياقاً عن التحركات اللوجستية.

يتم تحليل هذه البيانات باستخدام خوارزميات متقدمة لتحديد الموقع بدقة تصل إلى أمتار قليلة، حتى في المناطق النائية أو أثناء الليل.



مشاركة