سخونة الأجهزة الإلكترونية كالهواتف والحواسيب أمر طبيعي وحتمي، والسبب يكمن في فيزياء الكهرباء ذاتها. فعندما يمر التيار الكهربائي داخل جهازك، هو في الحقيقة سيل من الإلكترونات يتدفق عبر الأسلاك والموصلات الدقيقة، هذه الحركة ليست سلسة تماماً، بل تواجه مقاومة من ذرات المواد التي تمر خلالها (كالنحاس أو السيليكون).
في قلب جهازك، يعمل المعالج الذي يحوي مليارات الترانزستورات، وعندما تتدفق الكهرباء عبرهاتواجه تلك المقاومة، يحدث ما يشبه "الاحتكاك المجهري". هذا الاحتكاك يحول جزءاً من الطاقة الكهربائية فوراً إلى طاقة حرارية فيما يعرف علمياً بـ "تأثير جول" (Joule Heating). و كلما زاد الضغط على المعالج بمهام ثقيلة كالألعاب أو المونتاج، زاد تدفق الإلكترونات، وبالتالي زاد الاحتكاك وارتفعت الحرارة بشكل أسرع.
وعلى الرغم من هذا التوليد المستمر للحرارة الذي قد تشعر به بوضوح عند لمس الجهاز، فإن الشركات المصنعة تعتمد هندسة دقيقة لإدارة هذه الطاقة الحرارية ومنعها من الوصول إلى نقطة الانصهار عبر عدة تقنيات:
أنظمة التبريد: مراوح وهياكل ذكية
يتم تشتيت الحرارة بطرق مختلفة،ففي الحواسيب، يتم طرد الحرارة فعلياً عبر المراوح والأنابيب النحاسية. أما في الهواتف (التي تفتقر للمراوح)، فيُصمم هيكل الهاتف نفسه ليعمل "كمشتت حراري" كبير، حيث يمتص الحرارة من المعالج ويطردها عبر السطح الخارجي (الزجاجي أو المعدني). لذا، حين تشعر أن هاتفك ساخن من الخارج، فهذا مؤشر جيد يعني أن الحرارة تغادر المكونات الداخلية الحساسة بنجاح ولا تحتبس داخلها.
خط الدفاع الذكي: "الخنق الحراري"
لحماية المكونات من التلف، تراقب مستشعرات دقيقة الحرارة لحظة بلحظة. إذا اقتربت الحرارة من مرحلة الخطر، يتدخل النظام بذكاء ويفعّل ما يسمى "الخنق الحراري"؛ حيث يجبر المعالج على إبطاء سرعته وتقليل استهلاك الطاقة فوراً. ستلاحظ أنت كمستخدم بطئاً مفاجئاً في أداء الجهاز، لكن هذه "الفرملة" ضرورية جداً لمنح الجهاز وقتاً ليبرد ويعود للمنطقة الآمنة.
بروتوكول الطوارئ: الإيقاف التلقائي
في الحالات القصوى التي يفشل فيها التبريد والخنق الحراري في السيطرة على الوضع (مثل ترك الهاتف تحت الشمس المباشرة)، ينفذ الجهاز "بروتوكول الطوارئ": يقطع الطاقة ويغلق نفسه تماماً. هذا الإجراء الحاسم يمنع حدوث تفاعلات كيميائية خطرة في البطارية أو انصهار اللحامات الدقيقة. بفضل هذا التوازن بين الفيزياء والهندسة، تظل الأجهزة آمنة، وحوادث الاحتراق نادرة جداً وغالباً ما تكون ناتجة عن شواحن تجارية رديئة أو عيوب تصنيعية في البطارية، وليست بسبب الاستخدام الطبيعي.