فنلندا تنجح بالشحن اللاسلكي لمسافة 18 سنتيمتر

بقلم:   جاد طرابيشي           |  Nov. 23, 2025

fin-w-elec

في خطوة علمية واعدة، طوّر مهندسون في جامعة آلتو الفنلندية تقنية جديدة للشحن اللاسلكي تتيح نقل الكهرباء لمسافات أطول بكفاءة غير مسبوقة. فعلى عكس الأنظمة التقليدية التي تعتمد على الحث المغناطيسي وتتطلب أن يكون الجهاز ملاصقاً تماماً لقاعدة الشحن، نجح الفريق في نقل الطاقة لمسافة تصل إلى 18 سنتيمتراً باستخدام هوائيات حلقية صغيرة، دون أن تفقد معظم الطاقة في الهواء.

المشكلة الأساسية في الشحن اللاسلكي عن بعد كانت دائماً أن الحقول الكهرومغناطيسية عالية التردد تتبدد بسرعة، مما يؤدي إلى فقدان كبير في الطاقة قبل أن تصل إلى الجهاز المستقبل. في الأنظمة التقليدية، يتم استخدام ملفات حلزونية لتوليد مجال مغناطيسي، لكن هذا المجال يتسرب خارج المسار المطلوب، وتنخفض الكفاءة بشكل حاد كلما زادت المسافة بين المرسل والمستقبل.

التقنية الجديدة تعتمد على هوائيات حلقية دقيقة بقطر يقارب 7 سنتيمترات، صُممت خصيصاً لتقليل الإشعاع المتسرب. الفكرة أن هذه الهوائيات تُوجّه المجال المغناطيسي بشكل مركز بين نقطتي الإرسال والاستقبال، مما يسمح للطاقة بالانتقال عبر الهواء بكفاءة عالية.

في التجربة، وُضع الهوائيان على مسافة 18 سنتيمتراً، وتم إرسال تيار متردد عالي التردد عبر الهوائي الأول، فنتج عنه مجال مغناطيسي مضبوط، التقطه الهوائي الثاني وحوّله إلى تيار كهربائي صالح للاستخدام. النتيجة كانت كفاءة نقل بلغت نحو 80٪، وهي نسبة مرتفعة جداً مقارنة بما كان ممكناً سابقاً في هذا النوع من التطبيقات.

ورغم أن التقنية ما زالت محدودة بالمسافات القصيرة نسبياً، إلا أنها تُظهر إمكانية الحفاظ على كفاءة عالية حتى مع زيادة الفجوة بين المرسل والمستقبل. هذا يفتح آفاقاً جديدة لتغذية أجهزة صغيرة مثل الحساسات أو الروبوتات المتحركة داخل المصانع دون الحاجة إلى أسلاك، بل وحتى إمكانية تشغيل أجهزة ذكية تُشحن تلقائياً أثناء استخدامها. أما التطبيقات الأكبر مثل الطائرات المسيّرة أو الأنظمة الطبية، فهي ما زالت بحاجة إلى تطوير إضافي لزيادة مدى النقل وضمان السلامة.

الإنجاز لا يقتصر على التجربة وحدها، بل يشمل أيضًا تطوير نظرية ديناميكية جديدة للشحن اللاسلكي، تُراعي الفروق بين الظروف القريبة (حيث لا يُفقد الكثير من الإشعاع) والبعيدة (حيث يصبح الإشعاع عاملاً مؤثرًا). ويُظهر الباحثون أنه يمكن تحقيق كفاءة تتجاوز 80٪ على مسافات تصل إلى خمسة أضعاف حجم الهوائي، باستخدام ترددات مثالية في نطاق 100 ميغاهرتز. هذا يعني أن الكهرباء قد تصبح يوماً ما مثل الواي فاي: تنتقل في الهواء، بلا أسلاك، وبلا حدود.

نشر البحث في مجلة Physical Review Applied.



مشاركة