أصبحت تقنية الشحن اللاسلكي ميزة تنافسية بارزة في العديد من الأجهزة اليومية التي نستخدمها، مثل الهواتف الذكية، والساعات الذكية، وسماعات الأذن. فهي تجذب المستخدمين لقدرتها على التخلص من عناء التعامل مع الكابلات، مما يجعل عملية الشحن أكثر بساطة وسلاسة. فبدلاً من البحث عن الكابل المناسب وتوصيله بمنفذ الشحن، يكفي وضع الجهاز على قاعدة مخصصة ليبدأ الشحن تلقائياً.

كيف يعمل الشحن اللاسلكي؟
وراء هذا التفاعل السلس بين الجهاز وقاعدة الشحن اللاسلكي، يكمن مبدأ علمي يُعرف بالحث الكهرومغناطيسي. تبدأ العملية داخل قاعدة الشحن، حيث يمر تيار كهربائي متردد عبر ملف نحاسي، مما يولّد مجالاً مغناطيسياً متذبذباً في محيطه المباشر. عند وضع جهاز متوافق، مثل الهاتف الذكي، على القاعدة، يخترق هذا المجال المغناطيسي ملفاً نحاسياً ثانياً موجوداً داخل الهاتف. هذا التأثير يحفّز الإلكترونات على الحركة داخل ملف الهاتف، فيتولد تيار كهربائي يتم توجيهه مباشرة لشحن البطارية.

لكن العملية أكثر ذكاءً من مجرد نقل أعمى للطاقة؛ فهي تتضمن حواراً رقمياً مستمراً. فمن خلال تعديل طفيف في طريقة سحب الطاقة، يرسل الهاتف رسائل إلى الشاحن عبر نفس المجال المغناطيسي، ليخبره بمعلومات حيوية مثل هويته، ومستوى شحن البطارية، ودرجة حرارتها. هذا التواصل الدقيق يضمن أن يرسل الشاحن الكمية المناسبة من الطاقة، ويخفضها عند اقتراب البطارية من الامتلاء، ويتوقف تماماً في حالة ارتفاع درجة الحرارة، مما يجعل العملية آمنة وفعالة.

ولتحقيق هذا المستوى من التواصل، يجب على الشواحن اللاسلكية والأجهزة أن تلتزم بمعيار عالمي يُعرف باسم "تشي" (Qi)، الذي وضعه "اتحاد الطاقة اللاسلكية" (WPC) كمعيار موحد يحدد "اللغة" المشتركة التي يجب أن يتحدث بها كل من الشاحن والجهاز. بفضل هذا التوحيد، يمكن لشاحن من شركة آبل أن يشحن هاتفاً من جوجل أو سامسونج، ويمكن لقاعدة الشحن في سيارتك أن تشحن أي هاتف يدعم معيار Qi. وقد تم تطوير هذا المعيار إلى "Qi2"، الذي يضيف المحاذاة المغناطيسية الدقيقة كمتطلب أساسي للشواحن اللاسلكية لضمان شحن أكثر كفاءة.

ومع أن الشحن اللاسلكي بدأ رحلته في الأجهزة الصغيرة، إلا أن مستقبله يبدو أكثر طموحاً. فقد بدأ يشق طريقه إلى السيارات الكهربائية، حيث يجري تطوير أنظمة قادرة على شحن المركبة بمجرد ركنها، بل وحتى أثناء سيرها على الطرق.

يشير هذا التوسع إلى مسار تقني واضح يتجه نحو دمج الشحن اللاسلكي كبنية تحتية أساسية في البيئات المنزلية والعامة. والهدف النهائي لهذه التقنية هو الوصول إلى نقطة يصبح فيها نقل الطاقة الكهربائية لاسلكياً بنفس سهولة وموثوقية الوصول إلى شبكات البيانات اللاسلكية اليوم.