يخلط الملايين بين الإنترنت والويب، فيستخدمونهما كأنهما شيء واحد، والحقيقة أن الفارق بينهما يشبه الفارق بين شبكة الطرق وبين المتاجر والمباني التي تقع عليها.

البداية كانت الإنترنت..

ظهر الإنترنت قبل الويب بفترة طويلة، وتحديداً في أواخر الستينيات من القرن الماضي، ولم يكن حينها وسيلة للترفيه أو التصفح، بل كان مشروعاً عسكرياً وعلمياً بحتاً. نشأت الفكرة في أروقة وزارة الدفاع الأمريكية تحت اسم "أربانت" (ARPANET) في ذروة الحرب الباردة. كانت الغاية الأساسية هي خلق شبكة اتصالات لامركزية قادرة على الصمود؛ شبكة تربط أجهزة الكمبيوتر العملاقة في الجامعات والمراكز البحثية ببعضها البعض، بحيث إذا دُمر جزء منها في هجوم نووي أو عطل تقني، تظل بقية الشبكة تعمل وتنقل البيانات.

في تلك الحقبة، كان المستخدمون – وهم حصراً من العلماء والمهندسين العسكريين – يجلسون أمام شاشات سوداء يكتبون عليها أوامر برمجية معقدة لتبادل الرسائل النصية البسيطة أو نقل الملفات. كان الإنترنت هو البنية التحتية المجردة؛ أي الكابلات والبروتوكولات (قواعد التخاطب بين الأجهزة) التي تسمح لجهاز في كاليفورنيا أن يتخاطب مع جهاز في ماساتشوستس. لقد كان عالماً تقنياً جافاً وصعب الاستخدام، يفتقر إلى الواجهة التي تجعل استخدامه ممكناً للجمهور العادي.

الثورة كانت الويب..

ظل الوضع هكذا حتى عام 1989، حين تغير كل شيء بفضل عالم فيزياء بريطاني يُدعى تيم بيرنرز لي كان يعمل في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (CERN) في سويسرا. واجه تيم مشكلة تنظيمية؛ فالمعلومات والأبحاث كانت مبعثرة على أجهزة مختلفة ويصعب الوصول إليها وربطها ببعضها. فاخترع الويب (World Wide Web) ليعمل فوق الإنترنت.

كانت فكرة الويب عبقرية في بساطتها: تحويل المعلومات إلى صفحات مترابطة يمكن الوصول إليها عبر ما يسمى "الروابط التشعبية" (Hyperlinks). بدلاً من كتابة أوامر معقدة، أصبح بإمكانك الضغط على كلمة ملونة لتنقلك فوراً إلى صفحة أخرى تحتوي على معلومات ذات صلة، سواء كانت تلك الصفحة مخزنة على نفس الجهاز أو على جهاز في قارة أخرى. اخترع تيم المتصفح الأول، ولغة HTML لتصميم الصفحات، وبروتوكول HTTP لنقلها.

بفضل الويب، تحول الإنترنت من شاشات سوداء ونصوص صماء إلى صفحات ملونة تحتوي على الصور، ثم لاحقاً الفيديو والصوت، وصار تصفح المعلومات يشبه تصفح مجلة تفاعلية لا تنتهي صفحاتها. الويب هو الذي جعل الإنترنت قابلاً للاستخدام من قبل الجميع، وليس فقط المبرمجين.

جوهر الفرق: البنية مقابل الخدمة

الإنترنت هو الشبكة الفيزيائية الهائلة التي تتكون من مليارات الكابلات النحاسية والألياف الضوئية الممتدة تحت المحيطات، والأقمار الصناعية، وأجهزة التوجيه (الراوتر) التي تربط أجهزة العالم ببعضها.

أما الويب، هو مليارات الصفحات والمواقع (مثل جوجل، فيسبوك، ويكيبيديا) التي تتصفحها باستخدام برنامج المتصفح (مثل كروم أو سفاري).

فالويب يحتاج إلى الإنترنت ليعمل (فلا يمكنك زيارة موقع بدون اتصال)، لكن الإنترنت لا يحتاج بالضرورة إلى الويب. فهناك خدمات أخرى تستخدم الإنترنت دون أن تكون جزءاً من الويب، مثل تطبيقات البريد الإلكتروني التقليدية، ونقل الملفات، وبعض الألعاب الجماعية، وتطبيقات الهواتف التي تتصل بخوادم خاصة دون المرور بمتصفح.

وهكذا، الإنترنت هو البنية التحتية غير المرئية التي تربطنا، بينما الويب هو الواجهة المرئية التي نرى العالم من خلالها.