الصين تُجري أول جراحة روبوتية عبر الأقمار الصناعية لمسافة 5000 كيلومتر

بقلم:   تامر كرم           |  July 12, 2025

robotic-surg-sat

في إنجاز طبي غير مسبوق، نجح فريق جراحي صيني بقيادة البروفيسور ليو رونغ في إجراء عمليتين جراحيتين دقيقتين عن بُعد باستخدام روبوت جراحي متصل عبر قمر صناعي، لمسافة تفوق 5000 كيلومتر بين الجراح والمريض. يُعد هذا الحدث الأول من نوعه في العالم، ويمثل نقطة تحوّل حقيقية في مستقبل الجراحة عن بُعد.

كان الجراح متمركزاً في مدينة لاسا، عاصمة منطقة التبت ذاتية الحكم، بينما كان المريضان في مستشفى بالعاصمة بكين. وقد خضع مريضان – أحدهما رجل يبلغ من العمر 68 عاماً مصاب بسرطان الكبد، والآخر يبلغ 56 عاماً ويعاني من ورم وعائي كبدي – لعمليتين استغرقتا ما بين 105 و124 دقيقة لكل منهما. وكانت النتائج مذهلة: فقدان دم ضئيل (لا يتجاوز 20 مل)، دون أية مضاعفات، مع خروج المريضين من المستشفى خلال 24 ساعة فقط.

كان الروبوت الجراحي بجانب المريض يتلقى الأوامر من الجراح عبر القمر الصناعي الصيني Apstar-6D، الذي يدور على ارتفاع 36,000 كيلومتر فوق سطح الأرض. وكان على الإشارات أن تقطع رحلة ذهاب وإياب تصل إلى 150,000 كيلومتر، وهو ما تسبب في تأخير زمني بين أوامر الطبيب وتنفيذها من قبل الروبوت بلغ 632 مللي ثانية، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الحد الآمن للجراحة عن بُعد (المقدّر بـ200 مللي ثانية).

مثّل هذا التأخير الزمني الكبير عقبة حقيقية أمام الدقة الجراحية، إذ أن مجرد تأخير بسيط قد يؤدي إلى نتائج كارثية أثناء العمليات. وللتغلب عليه، طوّر الفريق الهندسي ثلاث تقنيات مبتكرة:

1- التعويض التنبؤي بالذكاء الاصطناعي (AI Predictive Compensation): يقوم هذا النظام بتحليل أسلوب الجراح وسلوكياته الحركية مسبقًا. فعندما يبدأ الجراح حركة معينة، يتوقع النظام مسارها الكامل ويرسل الأمر إلى الروبوت بشكل استباقي، بحيث يبدأ التنفيذ قبل وصول الإشارة الأصلية، ما يجعل الجراح يشعر وكأن العملية تتم في الوقت الحقيقي.

2- تخصيص النطاق الترددي الذكي (Intelligent Bandwidth Allocation): لحماية أوامر الجراح من أي تأخير، صُمّم النظام ليمنح أولوية مطلقة للبيانات الحيوية مثل أوامر القطع والربط، حتى لو اضطر إلى تقليل جودة الفيديو مؤقتًا. يشبه هذا "شرطي مرور" ذكيًا يوجّه البيانات حسب الأهمية.

3- شبكة احتياطية بتقنية الجيل الخامس (5G Backup Network): في حال تعطل أو تأخر الاتصال عبر القمر الصناعي، يتحوّل النظام تلقائيًا إلى شبكة الجيل الخامس الأرضية خلال أقل من ثانية، مما يضمن عدم انقطاع العملية الجراحية تحت أي ظرف.

ولا تقتصر أهمية هذه التجربة على النجاح الجراحي فحسب، بل تكمن أيضاً في إثبات إمكانية الاستغناء عن البنية التحتية الأرضية (مثل كابلات الألياف الضوئية أو تغطية الجيل الخامس)، مما يجعل الجراحة عن بُعد ممكنة في الأماكن الأشد عزلة وخطورة: من المناطق النائية إلى ساحات المعارك ومناطق الكوارث.

ويقول البروفيسور ليو رونغ إن هذا الإنجاز يمثل خطوة نحو مستقبل تصبح فيه الجراحة الدقيقة متاحة في أي مكان على الأرض – وربما حتى خارجها. وتخطط الصين لدمج هذا النموذج في منظومتها الصحية، مما قد يُسهم في توفير الرعاية الجراحية التخصصية للمناطق البعيدة والصغيرة، تمامًا كما هو الحال في المدن الكبرى.

نشرت هذه التجربة التي أجريت في ديسمبر عام 2024 في مجلة جراحة ذكية عام 2025.



مشاركة