تخيّل أنك تحتاج إلى عملية جراحية، والمستشفى في مدينتك لا يملك الجراح المتخصص المطلوب. بدلاً من نقلك إلى مدينة أو بلد آخر، وما يترتب على ذلك من أعباء نفسية وجسدية ومادية، يمكن لجراح في مكان بعيد أن يُجري لك العملية بينما أنت على سرير مشفاك، وهو في مكتبه على بعد آلاف الكيلومترات متصل عبر الإنترنت.
هذا السيناريو لم يعد ضرباً من الخيال العلمي. ففي يونيو/حزيران 2024، نجح فريق صيني بقيادة البروفيسور تشانغ شو، مدير قسم جراحة المسالك البولية في المستشفى العام لجيش التحرير الشعبي الصيني، في إجراء أول جراحة روبوتية في العالم لإزالة سرطان البروستاتا عن بعد عبر القارات. فمن العاصمة الإيطالية، روما، أجرى الطبيب العملية بينما كان المريض مستلقياً في غرفة عمليات في بكين، على بعد أكثر من 8000 كيلومتر.
تم هذا الإنجاز المذهل باستخدام روبوت جراحي متطور تم التحكم به بالكامل من روما. ولضمان نجاح هذه العملية الدقيقة، تم الاعتماد على شبكة اتصالات فائقة السرعة من الجيل الخامس (5G) و كابلات الألياف الضوئية بين القارات، والتي ضمنت تأخيراً زمنياً لا يتجاوز 135 ميلي ثانية فقط. هذا التأخير الضئيل جداً، الذي يقل عن معيار 200 ميلي ثانية الموصى به طبياً لمثل هذه الجراحات، جعل الجراح يشعر وكأنه يقف بجانب المريض مباشرة، حيث كانت حركات يديه تُترجم بشكل فوري ودقيق إلى أذرع الروبوت الجراحي.
للمقارنة، تستغرق غمضة عين الإنسان ما بين 300 و400 ميلي ثانية. كان التأخير ضئيلاً لدرجة أن الجرّاح في روما شعر وكأنه يُجري العملية في نفس الغرفة، دون أي تأخير يُذكر بين أفعاله واستجابة الروبوت. هذه الاستجابة الفورية بالغة الأهمية لسلامة ونجاح هذا الإجراء الدقيق.
وقد تابع فريق طبي، بما في ذلك جراح احتياطي، العملية عن كثب في بكين لضمان سلامة المريض والتدخل في حال حدوث أي طارئ، ولكن سلاسة العملية ودقتها لم تستدعِ أي تدخل. وقد تكللت الجراحة بالنجاح التام، مما فتح الباب على مصراعيه لمستقبل يمكن فيه تبادل الخبرات الطبية عبر العالم بسهولة.
بالطبع، مثل هذه العمليات تتطلب تجهيزات متقدمة للغاية من ناحية الاتصالات عالية السرعة، وإشرافاً فنياً دقيقاً، وكوادر طبية احتياطية — فلا مجال لأي خطأ أو تأخير في اللحظات الحاسمة.
إن نجاح هذه التجارب هو مؤشر واضح على مستقبل واعد للطب، حيث يمكن للخبرات الطبية النادرة أن تصل إلى أي مريض في أي مكان في العالم، سواء في المناطق النائية أو في ساحات الحروب ومناطق الكوارث.
مع ذلك، لا تزال هذه التقنية في مراحلها التطويرية وتحتاج إلى المزيد من العمل لوضع بروتوكولات طبية وقانونية صارمة تضمن سلامة المرضى وتحدد المسؤوليات بشكل واضح. كما أن التكلفة العالية للتجهيزات والبنية التحتية المطلوبة قد تحد من انتشارها السريع.