تمكن باحثون من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو من جعل دماغ مصغر مستنبت مخبرياً يقود روبوتاً رباعي الأرجل يشبه الكلب. هذا الدماغ المصغر، المعروف علمياً باسم "عضية دماغية"، تم استنباته باستخدام خلايا جذعية بشرية في بيئة مخبرية خاصة، مما سمح له بالتطور تدريجياً وتكوين شبكة عصبية تُشبه إلى حد كبير البنية العصبية للدماغ البشري. وعلى الرغم من أنه لا يمتلك وعياً أو إدراكاً، إلا أنه قادر على توليد نشاط عصبي يشبه ما يحدث في الدماغ الحقيقي.
لتسريع نمو هذا الدماغ المصغر وتحفيز نشاطه العصبي، ابتكر العلماء منصة جديدة تُسمى GraMOS، وهي اختصار لـ "التحفيز البصري بوساطة الجرافين". تعتمد هذه المنصة على طبقة رقيقة من الجرافين، وهي مادة كربونية فائقة التوصيل، تُغلف العضيات الدماغية وتستجيب للضوء. عند تسليط ضوء ليزر منخفض الطاقة على الجرافين، يقوم بتحويله إلى نبضات كهربائية دقيقة تُحفّز الخلايا العصبية داخل العضية. هذا التحفيز يُشبه إلى حد كبير الإشارات الحسية التي يتلقاها الدماغ في الواقع، مما يُساعد العضية على النمو بشكل أسرع وتكوين روابط عصبية أكثر تعقيداً، دون الحاجة إلى تعديل جيني أو تدخل جراحي.
لاختبار مدى قدرة هذا الدماغ المصغر على التفاعل مع العالم الخارجي، قام الباحثون بربطه بنظام تحكم خاص داخل روبوت كلب مزود بمستشعرات ليزرية (LiDAR) قادرة على اكتشاف العوائق أمامه. عند رصد الروبوت لعائق على مسافة معينة، يُرسل إشارة إلى الدماغ المصغر، حيث تُحوّل هذه الإشارة إلى نبضة ضوئية تُسلّط على منصة الجرافين. الجرافين بدوره يُحوّل الضوء إلى إشارات كهربائية تُحفّز الخلايا العصبية داخل العضية. وعندما يتجاوز النشاط العصبي الناتج عتبة معينة، تقوم خوارزميات مخصصة بترجمة هذا النشاط إلى أمر للروبوت بتجنب العائق، فينفذ الحركة المطلوبة في أقل من 50 ميلي ثانية.
وقد أُجريت هذه التجربة عدة مرات، ونجح الروبوت في كل مرة في تجنب العوائق استجابةً للإشارات العصبية الصادرة من الدماغ المصغر. هذا النجاح لا يعني أن العضية مدربة على قيادة الروبوت، بل يُعد إثباتاً لمبدأ أن الدماغ المستنبت يمكنه، أن يعمل كعقل بيولوجي للتحكم في الروبوتات. والخطوة التالية ستكون تدريبه على الاستجابة بطرق محددة ومدروسة بحسب المدخلات التي تأتيه من الروبوت، ليعمل فعلاً كعقل حقيقي له، قادر على التعلم والتكيف.
ما يجعل هذه التجربة مهمة هو أنها تُفتح الباب أمام تطوير أنظمة هجينة تجمع بين الخلايا العصبية الحية والتكنولوجيا، مما يُمهد الطريق لابتكار واجهات دماغ-آلة أكثر ذكاءً وتكيفاً، يمكن استخدامها في الأطراف الاصطناعية، والروبوتات التكيفية القادرة على التفاعل مع بيئتها بمرونة تشبه الكائنات الحية، وحتى أنظمة حوسبة بيولوجية جديدة. فبدلًا من الاعتماد على رقائق إلكترونية جامدة، يمكن استخدام أنسجة عصبية حية قادرة على التعلم والتكيف مع البيئة.
نُشرت هذه الدراسة في مجلة Nature Communications.