معظم البطاريات الكهربائية اليوم تعتمد على استخدام أيونات الليثيوم (Li⁺) كناقل للشحنة، نظراً لخفتها واستقرارها الكيميائي النسبي. لكن هذا قد يتغير قريباً، بعد أن نجح فريق بحثي صيني في تحويل فكرة نظرية إلى نموذج عملي لبطارية جديدة تعتمد على أيونات الهيدريد (H⁻) كناقل للشحنة.
أيونات الهيدريد (-H) هي ذرات هيدروجين اكتسبت إلكتروناً فأصبحت سالبة الشحنة، وهي أخف بكثير من أيونات الليثيوم (Li⁺)، التي هي ذرات فقدت إلكتروناً وأصبحت موجبة. وبفضل كتلتها الصغيرة وسرعة حركتها، فإن أيونات الهيدريد تتيح نظرياً تصميم بطاريات ذات كثافة طاقية أعلى وسرعة أكبر في الشحن والتفريغ، لكن التحدي كان دائماً في كيفية الحفاظ على استقرارها ومنع تفاعلها العشوائي مع المواد المحيطة.
وقد تمكن حديثاً فريق من معهد داليان للفيزياء الكيميائية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، من تصميم أول نموذج تجريبي لبطارية تعمل بأيونات الهيدريد، مستخدمين مواد تسمح للأيونات بالحركة دون تفاعلات جانبية، ولهذا استخدموا مادة CeH₂ (سيريوم هيدريد) كمصعد (أنود)، وهي مادة قادرة على إطلاق أيونات الهيدريد عند التفريغ. أما المهبط (كاثود)، فتم اختياره من مادة NaAlH₄ (صوديوم ألانيت)، وهي معروفة بقدرتها على تخزين الهيدروجين وتعمل كمستقبل لأيونات الهيدريد أثناء الشحن. هذا الاختيار لم يكن عشوائيًا، بل جاء بعد دراسة دقيقة لضمان أن كلا القطبين يمكنهما التعامل مع أيونات H⁻ دون تفاعلات جانبية تؤدي إلى فقدان الطاقة أو انهيار البنية الكيميائية.
و التحدي الأكبر كان في تصميم إلكتروليت صلب (الوسط بين القطبين) يسمح بمرور أيونات الهيدريد بكفاءة، دون أن يتفاعل معها أو يتدهور. وهنا جاء الابتكار الحقيقي: إلكتروليت مركّب بتصميم "نواة–غلاف"، حيث تم استخدام CeH₃ كمادة ذات توصيل عالي، محاطة بطبقة من BaH₂ (باريوم هيدريد) التي تمنح الاستقرار الحراري وتحمي النواة من التفاعل. هذا التصميم الفريد مكّن البطارية من العمل في درجة حرارة الغرفة، وهو ما لم يكن ممكنًا في المحاولات السابقة.
كيف تعمل البطارية؟
عند الشحن، تنتقل أيونات الهيدريد من الكاثود (المهبط) إلى الأنود (المصعد) عبر الإلكتروليت الصلب، و بفضل الجهد الكهربائي الخارجي تُجبر الإلكترونات في الدارة الخارجية للتوجه نحو الأنود. وعند التفريغ، تعود أيونات H⁻ من الأنود إلى الكاثود، وتُطلق الإلكترونات عبر الدارة الخارجية لتشغيل الأجهزة. هذه الحركة المتزامنة للأيونات والإلكترونات هي ما يولّد التيار الكهربائي، تماماً كما في بطاريات الليثيوم، لكن باستخدام شحنة سالبة بدلًا من موجبة.
التجربة والتطبيق العملي
صنع الباحثون نموذجاً تجريبياً من هذه البطاريات، واستطاع أن يخزن كمية كبيرة من الطاقة في بداية استخدامها إذ وصلت سعة التفريغ إلى 984 مللي أمبير/غرام، واحتفظ بـ 402 مللي أمبير/غرام بعد 20 دورة شحن وتفريغ، وهو أداء واعد جداً في هذه المرحلة المبكرة.
أما الجهد الكهربائي الذي تنتجه البطارية، فقد بلغ 1.9 فولت، وكان كافٍ لتشغيل مصباح LED، ما يُثبت أن البطارية تعمل فعلياً وليس مجرد نموذج نظري على الورق. هذا النجاح يُظهر أن فكرة استخدام أيونات الهيدريد لتخزين الطاقة يمكن أن تتحول إلى تطبيق عملي حقيقي.
بداية مرحلة جديدة؟
رغم أن هذه البطارية لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أنها تمثل أول إثبات عملي لإمكانية استخدام أيونات الهيدريد في تخزين الطاقة. وإذا أمكن تطويرها للاستخدام التجاري، فقد تفتح الباب أمام جيل جديد من البطاريات الصلبة الأكثر أماناً وكفاءة. إنها ليست بديلاً مباشراً لبطاريات الليثيوم بعد، لكنها بداية مرحلة جديدة من البحث، تحمل الإمكانية النظرية لإحداث تغيير في سوق البطاريات الكهربائية وتخزين الطاقة في المستقبل.
نشرت الدراسة في مجلة نيتشر في سبتمبر/أيلول 2025.