صرح ماسك أكثر من مرة أنه وجد بعد عدة محاورات مع لاري بيج (مؤسس مشارك لغوغل) أن الأخير يسعى لتطوير ذكاء اصطناعي مغلق غير مسؤول ويمكن أن يسبب مخاطر على البشرية. ازدادت مخاوف ماسك بعد أن استحوذت غوغل على ديب مايند (أهم شركة ذكاء اصطناعي ذي ذاك الوقت) مما جعله يفكر بتأسيس OpenAI كمؤسسة غير ربحية تهدف لتطوير ذكاء اصطناعي مفتوح يمكن للجميع الاستفادة منه ويمنع هيمنة غوغل. (انظر الفيديو مع ليكس فريدمان).
تم إطلاق المنظمة غير الربحية في عام 2015 بدعم من نجوم التكنولوجيا مثل ماسك وريد هوفمان وبيتر تيل. وسرعان ما اجتذبت بعضاً من أفضل العقول في هذا المجال. واتفق المؤسسون ومن بينهم ألتمان وماسك وجريج على أن تطور الشركة ذكاء اصطناعي مفتوح المصدر بآمان ولصالح البشرية. وأطلق ماسك عليها اسم OpenAI للدلالة على النموذج المفتوح الذي تتبناه مقارنة بالنموذج المغلق الذي تتبناه الشركات الكبرى مثل غوغل وغيرها.
بداية الخصومة والشكوى
اختلف الشركاء لاحقاً ولم ينجح ماسك في تولي الإدارة فترك الشركة في بداية 2018 وتوقف عن تقديم الدعم المالي لها؛ في 11 مارس 2019، أعلنت الشركة الغير ربحية أنها أنشأت كياناً ربحياً حتى تتمكن من جمع ما يكفي من المال لدفع تكاليف الطاقة الحاسوبية اللازمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الأكثر طموحاً.
وبعد أقل من ستة أشهر، حصلت OpenAI على مليار دولار من مايكروسوفت، وتشارك الطرفان في بناء كمبيوتر فائق السرعة لتدريب النماذج الضخمة التي أدت في النهاية إلى إنشاء ChatGPT ومولد الصور DALL-E.
عندما تم إطلاق ChatGPT في نوفمبر 2022، أصبحت OpenAI على الفور الشركة الناشئة الأكثر رواجاً في مجال التكنولوجيا وعاد خوف ماسك من تطوير ذكاء اصطناعي مغلق يظهر من جديد وبدأ بالانتقاد العلني للشركة.
في 17 فبراير، قام بالتغريد قائلاً: "تم إنشاء OpenAI كشركة مفتوحة المصدر (وهذا هو سبب تسميتها بـ "Open" AI)، وهي شركة غير ربحية لتكون بمثابة ثقل موازن لغوغل، ولكنها الآن أصبحت مصدراً مغلقاً بشدة - شركة ربحية تسيطر عليها مايكروسوفت بشكل فعال."
في 15 مارس، غرد قائلاً: "ما زلت في حيرة من أمري بشأن كيف أن المؤسسة غير الربحية التي تبرعت لها بما يقرب من 100 مليون دولار أصبحت بطريقة أو بأخرى ذات قيمة سوقية تبلغ 30 مليار دولار تهدف إلى الربح. إذا كان هذا قانونيا، فلماذا لا يفعله الجميع؟”
كان ذلك أثناء فترة تأسيسه xAI وبعدها بأيام دعا مع ستيف وزنياك وغيرهم في رسالة مفتوحة إلى وقف تجارب الذكاء الاصطناعي لمدة 6 أشهر للمزيد من البحث حول مخاطرها وإلا فقد نواجه "مخاطر عميقة على المجتمع والإنسانية".
اعتقد الكثيرون أن ماسك يريد تأخير عمل الشركات الأخرى لكي يتسنى لشركته الجديدة أن تلحق بالركب لكن هذا لاينفي رغبة إيلون ماسك الصادقة ببناء ذكاء اصطناعي مفتوح؛ فرغم الخلاف بينه و بين سام آلتمان يعترف الآخير أن ماسك يهتم حقاً بمستقبل الذكاء الاصطناعي وهذا ما قاله في بودكاست Swisher "لكي أقول شيئاً إيجابياً عن إيلون، أعتقد أنه يهتم حقاً بأن يكون مستقبل الذكاء الاصطناعي العام لصالح للبشرية".
من الشكوى إلى الدعوى القضائية
نهاية فبراير 2024 تحولت شكاوي ماسك على منصة إكس إلى دعوى قضائية ضد شركة OpenAI، زاعماً أن ألتمان والمؤسس المشارك جريج بروكمان قد انتهكا مهمة OpenAI التأسيسية لتطوير الذكاء الاصطناعي بأمان ولصالح البشرية.
ويزعم محامو ماسك أن شركة OpenAI "تحولت إلى شركة فرعية مغلقة المصدر بحكم الأمر الواقع لأكبر شركة تكنولوجيا في العالم" وتقوم "بتطوير الذكاء الاصطناعي العام لتعظيم أرباح مايكروسوفت، وليس لصالح البشرية".
ردت الشركة على الدعوى بنشر إيميلات لماسك في عام 2017 قبل مغادرته يحث فيها الشركة على جمع المليارات لكي تتمكن من منافسة ديب-مايند وزعمت أن ماسك كان يحاول أن يهيمن عليها.
دوافع ماسك لرفع الدعوى
لايوجد دافع وحيد فقد رفع إيلون ماسك دعوى قضائية ضد OpenAI لعدة أسباب:
1- مخاوف ماسك بشأن الذكاء الاصطناعي العام
بعد المحاولة الفاشلة لمجلس الإدارة إزاحة سام ألتمان وجريج بروكمان في نوفمبر 2022، والتي لعب في إفشالها الرئيس التنفيذي لشركة Microsoft دوراً محورياً، عادت OpenAI إلى دورها الريادي في الذكاء الاصطناعي بحلول فبراير 2024. فنموذجهم المرتقب لتحويل النص إلى فيديو، Sora، أثار ضجة كبيرة، ولكنهم استمروا في سياستهم و التفاصيل حول بنيته وبيانات التدريب المستخدمة لا تزال طي الكتمان. لذلك، تلاشى أي أمل لدى ماسك في عودة الشركة إلى نموذج ذكاء اصطناعي أكثر انفتاحاً، حيث تمارس مايكروسوفت الآن سيطرة أكبر من أي وقت مضى.
2- قدرة xAI على المنافسة
لا تزال شركة xAI، الشركة التي أسسها ماسك لمنافسة OpenAI، بعيدة عن تحقيق أهدافها، ولم يؤدي إصدار Sora إلا إلى اتساع الفجوة بينهما. ونتيجة لذلك، انخفضت أيضاً طموحات ماسك للتنافس مع OpenAI.
3- ديون ماسك غير المسددة
قدم ماسك تمويلاً بقيمة 100 مليون دولار لشركة OpenAI، وتشير آخر الأخبار إلى أن قيمة الشركة تبلغ 80 مليار دولار. ليس من السهل على أحد أن يقبل أن تتحول الشركة التي دفع لها 100 مليون دولار إلى شركة قيمتها 80 مليار دولار دون أن يستفيد من ذلك لا ماديا ولا معنويا، إذ تبدو أهدافه الأصلية غير محققة، ويبدو أن مساهماته ودوره في الشركة قد تم تجاهلها.
4- شركة OpenAI تتحدى أوبتيموس
وفي تطور حديث، برزت شركة OpenAI كمنافس لمشروع إيلون ماسك الطموح: الروبوتات البشرية. وكان ماسك قد ادعى سابقاً أن روبوت تسلا أوبتيموس يمكن أن يصبح أكثر قيمة من السيارات الكهربائية. والآن، يواجه تحدياً كبيراً من OpenAI. فبعد أسابيع فقط من إعلان شركة فيجر Figure، وهي شركة روبوتات بشرية منافسة، عن تعاونها مع بي إم دبليو لاختبار روبوتها فيجر 01 في أحد مصانعها، أعلنت شركة OpenAI عن استثمارها في فيجر وشراكة لتطوير الذكاء الاصطناعي لروبوتاتها.
ومن هنا تشتد المنافسة مباشرة مع إيلون ماسك. فقد يضع العديد من مستثمري تسلا ثقة أكبر في قدرة OpenAI على ابتكار ذكاء اصطناعي أكثر تقدماً للروبوتات. فالكل قد يفكر: ما الذي يمنع الشركة التي أنتجت ChatGPT و Sora، متفوقة على جميع النماذج السابقة، من تكرار هذا النجاح في عالم الروبوتات؟
نظام مفتوح مقابل نظام مغلق
خسارة إيلون ماسك هذه القضية هي تأكيد لربح نظام الذكاء الاصطناعي المغلق ضد النظام المفتوح كما تصوره ماسك عندما أسس الشركة فقد أرادها أن تنافس ديب-مايند؛ وبالنظر للتكلفة العالية لبناء نماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة وتشغيلها فلا يتوقع أن يتفوق هذا النظام ويلعب الدور الريادي في تطوير الذكاء الاصطناعي.
و قد خسر هذا التصور احتمالية الريادة منذ ترك إيلون ماسك الشركة وتحولت لشركة ربحية فلو كان هناك أمل له بالنجاح لرأينا ذلك. لكن النظام المفتوح بحدود أقل من طموحات إيلون ماسك مازال مستمراً فهناك الكثير من المساهمات الأكاديمية و بعض الشركات التي تجعل هذا النموذج حياً إذ تٌبقي أبحاثها الأساسية ونماذجها متاحة للجميع.