ما بعد الصفر والواحد: الصين تصنع معالج بنظام احتمالي يوسع إمكانات النظام الثنائي

بقلم:   تامر كرم           |  June 9, 2025

china-sytocastic

ليس كل ما هو رقمي يحتاج إلى دقة حسابية مطلقة، فالكثير من التطبيقات الحديثة احتمالية بطبيعتها، وحساباتها التقريبية لا تضر بالنتيجة النهائية بل قد تحسنها. على سبيل المثال، عند لمس الشاشة، ليس بالضرورة تحديد إحداثية اللمس بدقة نانومترية، فالإصبع له مساحة معينة، والتقريب البسيط يكفي لتحديد الزر المضغوط بكفاءة. وعند تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، فإن البيانات نفسها غالبًا ما تكون مشوشة، والهدف هو استخلاص الأنماط العامة وليس إجراء حسابات رياضية بحتة، لذا فالتقريب في العمليات الحسابية لا يؤثر على النتائج النهائية بل قد يحسن من قدرة النموذج على التعميم.

في هذا السياق، استطاع فريق بحثي بقيادة البروفيسور لي هونغجي من جامعة بيهانغ في الصين تحقيق إنجاز غير مسبوق، إذ طوروا شريحة لا تستبدل النظام الثنائي، بل تمدده وتثريه بنظام هجين يجمع بين دقته التقليدية وكفاءة الحوسبة الاحتمالية. هذه الشريحة الجديدة، المبنية وفق تقنيات CMOS الحالية والمتوافقة معها، تمثل اختراقاً في عالم أشباه الموصلات، حيث تقدم كفاءة عالية في استهلاك الطاقة دون الحاجة إلى تعديلات في البنية الحوسبية التحتية القائمة.

تعد الحوسبة الثنائية أساساً لكل الأنظمة الرقمية، حيث تعتمد على تمثيل البيانات باستخدام أصفار وواحدات، وهو ما يتناسب مع طبيعة الدوائر الكهربائية (تشغيل/إيقاف). هذا النظام فعال ودقيق، لكنه يتطلب عدداً هائلاً من الترانزستورات عند إجراء عمليات معقدة، كما في الذكاء الاصطناعي، مما يزيد من استهلاك الطاقة. على النقيض من ذلك، تعتمد الحوسبة الاحتمالية على تمثيل البيانات بواسطة سلاسل من البتات، حيث تعكس نسبة ظهور "الواحدات" القيمة الرقمية المطلوبة.

ولفهم الصورة بشكل أوضح، إذا أردنا تمثيل القيمة 3 في النظام الثنائي بأربع بتات ستكون 0011، أما في النظام الاحتمالي فهي 0.5، حيث إن نسبة ظهور الرقم "1" هي اثنان من أصل أربعة، أي 50%. هذا التمثيل يسمح بإجراء عمليات مثل الضرب باستخدام بوابة منطقية واحدة (AND Gate)، بدلاً من دائرة معقدة كما في النظام الثنائي، مما يوفر الطاقة وعدد الترانزستورات على الشريحة بشكل كبير.

الصين تجمع أفضل ما في العالمين

الإنجاز الحقيقي للفريق الصيني يكمن في عدم التخلي عن النظام الثنائي، بل في دمجه مع النظام الاحتمالي ضمن شريحة واحدة عبر تطوير مفهوم "الرقم الاحتمالي الهجين". هذا النهج الذكي يتيح للمعالج الاستفادة من مزايا كلا النظامين:

  • الدقة الثنائية: للمهام التي تتطلب حسابات دقيقة لا تحتمل الخطأ.
  • الكفاءة الاحتمالية: للمهام التي تقبل التقريب، مثل تسريع تعلم نماذج الذكاء الاصطناعي أو معالجة الإشارات.

هذه الشريحة الهجينة، المصنّعة بتقنية 40 نانومتر، أثبتت تفوقها في اختبارات عملية. ففي تطبيقات ضغط الصور JPEG، استطاعت تقليل حجم الملفات بكفاءة مع الحفاظ على جودة الصورة المدركة. وفي تدريب الشبكات العصبية، سرّعت العمليات الحسابية بشكل كبير مع استهلاك طاقة أقل، وهو ما يُعد حلاً مثالياً لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي على الأجهزة الطرفية (Edge AI).

يمثل هذا التطور خطوة استراتيجية نحو جيل جديد من الحوسبة الذكية والكفوءة. فبدلاً من الاختيار بين الدقة واستهلاك الطاقة، تقدم الصين حلاً يجمع بينهما، محافظاً على النظام الثنائي الذي بُني عليه عالمنا الرقمي، مع تمديده بقدرات احتمالية تفتح الباب أمام معالجات أسرع وأكثر كفاءة وتكيفاً مع متطلبات المستقبل، من الذكاء الاصطناعي إلى أنظمة الطيران والمركبات ذاتية القيادة.



مشاركة