في إنجاز علمي جديد ومذهل، نجح باحثون صينيون في تطوير نظام ليزري دقيق للتصوير عن بُعد، قادر على قراءة أحرف صغيرة بحجم حبة البازلاء من مسافة تزيد عن 1.3 كيلومتر، وذلك دون استخدام الكاميرات التقليدية. يعتمد هذا النظام المبتكر على تقنية فلكية قديمة تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، تُعرف باسم "قياس التداخل الشدي النشط"، والتي كانت تُستخدم في الأصل لقياس حجم الأجسام الكونية البعيدة.
كيف يعمل هذا النظام الليزري؟
على عكس الكاميرات العادية التي تحاول التقاط موجات الضوء بشكل مباشر، وهو ما ينجح عندما يكون الضوء قويا والهواء صافيا، يواجه التصوير التقليدي صعوبة مع الأجسام البعيدة والصغيرة. فالاضطرابات الجوية أو خفوت الضوء يؤديان إلى صور ضبابية وغير واضحة.
هنا يأتي دور التقنية الصينية الجديدة في التصوير، إذ تقوم بإضاءة الهدف بأشعة ليزر تحت حمراء بدلا من الاعتماد على الضوء المنبعث منه، ويتم إطلاق ثمانية حزم ليزر تحت حمراء نحو الهدف وإرسالها في مسارات مختلفة حتى تبدو كأنها إضاءة غير متماسكة. بعدها يتم استقبال الضوء المنعكس بتلسكوبين صغيرين متقاربين، ويقوم كل تلسكوب بمراقبة تقلبات شدة الضوء (أي مدى سطوع الضوء أو خفوته) لحظة بلحظة وبسرعة فائقة. يتم بعدها تحليل دقيق للبيانات القادمة من التلسكوبين للبحث عن ترابط أو تزامن في هذه التقلبات في شدة الضوء، ثم بالاعتماد على هذا الترابط يمكن إعادة بناء الصورة.
ويكمن السبب وراء ذلك في أن الترابط الذي يظهر في التلسكوبين ليس صدفة، بل هو ظاهرة كمومية تُعرف باسم تجميع الفوتونات (جزيئات الضوء). إذ تميل الفوتونات إلى الوصول في مجموعات أو حزم صغيرة، وعندما يلتقط كاشفان هذا الضوء القادم من نفس المصدر وكانا متقاربين، فإن الحزم تصل في نفس الوقت تقريبا، مما يخلق ترابطا في تقلبات الشدة بين التلسكوبين. ولهذا، قام الباحثون بضبط المسافة الفاصلة بين التلسكوبين واختبروا زوايا تصوير مختلفة ليتمكنوا من جمع معلومات أكثر دقة.
بعدها يتم إعادة بناء الصورة من هذه المعلومات عبر تقنيات حاسوبية تمكنت من بناء صورة دقيقة للحروف. تخيل الأمر و كأنك تراقب انعكاس ضوء شمعة من مكانين مختلفين، فالتوهج يتم تسجيله والخفوت كذلك بشكل متزامن، ويمكن بعدها تصور شكل اشتعال الشمعة دون أن تراها مباشرة.
وقد تمكن الباحثون من الكشف عن حروف يبلغ ارتفاعها 8 ملليمترات بدقة 3 ملليمترات من مسافة 1.36 كيلومتر، وهو إنجاز يستحيل تحقيقه باستخدام الطرق البصرية القياسية في تلك المسافة.
تُعد هذه التقنية فعّالة بشكل خاص في الظروف الجوية غير المستقرة، حيث تُعاني تقنيات التصوير التقليدية من صعوبات بسبب تشوه موجات الضوء. أما قياس التداخل الشدي، فيعتمد على تقلبات السطوع الأكثر قوة، مما يجعله أكثر حصانة ضد التشويشات الجوية.
يمكن استخدام هذه التقنية في الزراعة لمراقبة المحاصيل ورصد الآفات قبل انتشارها، أو رصد الحشرات الغازية وتتبعها عن بعد، كما يمكن استخدامها للكشف عن الحطام الفضائي وتتبعه.
لا يزال هذا النظام- الذي نشرت تفاصيل عمله في مجلة فيزيكال ريفيو ليترز - في مراحله الأولى من التطوير، ويخطط الفريق لدمج خوارزميات التعلم العميق لتعزيز قدرته على التعرف على أنماط وأشكال أخرى غير الحروف بسيطة التكوين.