بعد احتكار هولندي طويل.. الصين تبني أول نموذج لآلة EUV محلياً

بقلم:   تامر كرم           |  Dec. 18, 2025

euv-china

في ديسمبر 2025، أفادت وكالة رويترز بأن الصين تمكنت من بناء نموذج أولي لآلة الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية القصوى (EUV) داخل مختبر شديد الحراسة في مدينة شينزين. وتمثل هذه الآلة خطوة استراتيجية بالغة الأهمية، إذ تُعد تقنية (EUV) حجر الأساس في تصنيع الرقائق المتقدمة بدقة 5 أو 3 نانومتر وأقل، وهي تقنية لا تزال حتى الآن حكراً على شركة ASML الهولندية.

تم الانتهاء من بناء هذه الآلة في أوائل عام 2025، وهي الآن في مرحلة الاختبارات المكثفة، لتشكل بذلك أول تحدٍ حقيقي للاحتكار الهولندي لهذه التكنولوجيا الحيوية التي تُعد عصب صناعة الرقائق الإلكترونية المتقدمة اللازمة لتشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والأنظمة العسكرية الحديثة، والهواتف الذكية.

ورغم أن النموذج لم ينتج رقائق تجارية بعد، إلا أن مجرد تشغيله وتوليده لضوء الأشعة فوق البنفسجية القصوى يُعد قفزة هائلة في الجدول الزمني الذي وضعه الغرب للصين، والذي قدّره بعشرات السنين، بينما تهدف الصين للوصول إليه بحلول عام 2028، وهو ما يبدو قريباً بعد تشغيل هذا النموذج.

يختلف هذا النموذج الصيني بشكل كبير من حيث الشكل والحجم عن نظيره الهولندي؛ فبينما تبلغ آلة ASML المتطورة حجم حافلة مدرسية كبيرة وتزن حوالي 180 طناً، يمتد النموذج الصيني ليشغل مساحة طابق مصنع كامل تقريباً. ويُعزى هذا الحجم الهائل إلى عدم توفر المكونات المصغرة فائقة الدقة التي يمتلكها الغرب؛ مما اضطر المهندسين الصينيين إلى بناء مسارات بصرية ومولدات طاقة أضخم لتحقيق النتيجة الفيزيائية ذاتها.

تقود شركة هواوي هذا المشروع الضخم بالتنسيق مع معهد تشانغتشون للبصريات (CIOMP)، مستعينين بخبرات مكثفة لمهندسين سابقين في الشركة الهولندية تم استقطابهم للعمل تحت غطاء من السرية التامة؛ حيث يعتمد المشروع بشكل كبير على الهندسة العكسية لأجزاء قديمة تم تجميعها من الأسواق الثانوية ودمجها مع ابتكارات محلية.

تكمن الأهمية القصوى لهذا الإنجاز في الفرق الشاسع بين تقنية الأشعة فوق البنفسجية "العميقة" (DUV) التي تمتلكها الصين وتصنعها بالفعل عبر شركات مثل SMEE، وبين تقنية "القصوى" (EUV) التي تسعى إليها. فآلات (DUV) التقليدية تعمل بطول موجي يبلغ 193 نانومتر وتستخدم نظاماً بصرياً يعتمد على العدسات الزجاجية لتركيز الضوء، وهي تقنية وصلت إلى حدودها القصوى عند دقة تصنيع 7 نانومتر، ولا يمكنها فيزيائياً رسم الدوائر الدقيقة المطلوبة لرقائق 5 أو 3 نانومتر بكفاءة اقتصادية. هنا تبرز ضرورة الانتقال إلى (EUV)، التي تعمل بطول موجي دقيق جداً يبلغ 13.5 نانومتر فقط، مما يسمح بنحت مليارات الترانزستورات في مساحة لا تتجاوز ظفر الإصبع، وهو ما لا يمكن تحقيقه بتقنيات الجيل السابق.

يكمن التعقيد الهندسي الذي يجعل الآلة الهولندية أعجوبة تقنية - ويبلغ سعر الواحدة منها حوالي 250 مليون دولار - في كيفية التعامل مع هذا الضوء؛ فالأشعة فوق البنفسجية القصوى يتم امتصاصها بواسطة أي مادة تمر خلالها، بما في ذلك الزجاج والهواء. لذا يجب أن تتم العملية برمتها في فراغ تام (Vacuum). وبدلاً من العدسات، تعتمد الآلة على سلسلة من المرايا المعقدة للغاية والمتعددة الطبقات التي تصنعها حصرياً شركة "كارل زايس" (Carl Zeiss) الألمانية. وتُعتبر هذه المرايا الأسطحَ الأكثر استواءً التي صنعها البشر، حيث تقوم بعكس الضوء وتوجيهه بدقة نانومترية. أما مصدر الضوء نفسه فيعتمد على قصف قطرات من القصدير المصهور بليزر عالي الطاقة 50 ألف مرة في الثانية الواحدة لتتحول إلى بلازما تشع هذا الضوء النادر.

في المقابل، واجهت الصين تحدياً هائلاً لغياب "زايس" عن سلسلتها التوريدية، مما دفع معهد تشانغتشون للبصريات لتطوير نظام بديل لتوليد وتوجيه الضوء، يُعتقد أنه يعتمد على تقنيات تفريغ شحنات عالية أو مصادر ضوء مختلفة تتطلب طاقة ومساحة أكبر، وهو ما يفسر الحجم العملاق للنموذج الأولي. ورغم أن الآلة الصينية "خشنة" تقنياً وتفتقر إلى دقة المرايا الألمانية، إلا أنها نجحت في توليد الضوء المطلوب، مما يعني حل المعضلة الفيزيائية الأساسية.

وتستهدف الخطة الصينية تحسين هذا النموذج للوصول إلى إنتاج رقائق فعلية بحلول عام 2028 كهدف طموح، أو 2030 كهدف واقعي، مستفيدة من حقيقة أن العلم النظري موجود بالفعل وأنهم لا يبدأون من الصفر.

بالمقارنة التاريخية، استغرقت شركة ASML الهولندية ما يقارب عقدين من الزمن ومليارات اليوروهات في البحث والتطوير للانتقال من أول نموذج أولي في عام 2001 إلى الإنتاج التجاري الواسع في عام 2019، بينما تحاول الصين اختزال هذا الزمن إلى أقل من عقد واحد عبر حشد الموارد الوطنية والخبرات المستقطبة.

ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر أمام الصين ليس فقط بناء آلة واحدة تعمل، بل الوصول إلى معدلات إنتاجية تجعل تصنيع الرقائق مجدياً اقتصادياً ولا تتسبب في تلوث الرقاقة أو تلفها، وهي المرحلة التي تفصل عادة بين النجاح المختبري والنجاح الصناعي.



مشاركة