لاشك أنَّ برامج الكمبيوتر أفضل منا في إنجاز الكثير من المهام؛ وقد استبدلت الكثير من المهن البشرية؛ و ما يميز الإنسان عن الآلات هي قدرته على التفكير. لكن هل حقاً الآلات غير قادرة على التفكير مثل البشر وربما أفضل.

نشر آلان تورينغ في عام 1950 ورقة بحثية أراد فيها الإجابة عن السؤال: "هل تفكر الآلات؟" وتورينغ هو عالم رياضيات وكمبيوتر والملقب بأبي الذكاء الاصطناعي وكان له دوراً كبيراً في فك شيفرة الألمان في الحرب العالمية الثانية.

لم يكن تورينغ أول مَنْ طرح السؤال لكنه كان أول من طرح جواباً مختلفاً. فكان الجواب البديهي على هذا السؤال في ذاك الزمن: لا يمكن للآلات أن تفكر لأنها لا تملك عقلاً مثلنا فهي تنفذ عمليات حسابية لا أكثر. تورينغ لم يحاول أن يُعَرِّف ما هو التفكير ولم يربطه بالعقل البشري بل اقترح إجراء لعبة أسماها لعبة التقليد Imitation Game:

نُحْضِر برنامج كمبيوتر وإنسان ونضعهما في غرفتين متجاورتين ثم نأتي بحَكَمْ ليتعرف في أي غرفة يوجد الكمبيوتر وفي أي غرفة يوجد الإنسان. يقوم الحَكَمْ بكتابة أسئلة إلى كلتا الغرفتين ويتلقى الجواب مكتوباً. وبعد عدد من الأسئلة إذا لم يستطع الحَكَمْ أن يميز من هو الإنسان ومن هو الكمبيوتر نقول أن الكمبيوتر يستطيع التفكير. وأصبحنا لاحقاً نقول اجتاز اختبار تورينغ.

توقع تورينغ أنه بعد 50 عاماً أي في عام 2000 سيكون الحَكَمْ غير قادر على التمييز بين الآلة والإنسان في 70% من الحالات. ولكن يبدو أن توقع تورينغ قد تأخر فحتى الآن لا يوجد برنامج اجتاز الاختبار رغم كل التطور في تقنيات الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة.

تلقى اختبار تورينغ الكثير من الانتقادات وأشهرها انتقاد الفيلسوف جون سيرل الذي اقترح تجربة الغرفة الصينية ليٌبين أنه مهما بلغ الكمبيوتر من القدرة على الإجابة على أسئلة الحكم فلا يمكن القول أنه يفكر فهو لايفهم اللغة؛ هو فقط يقوم بعمليات حسابية ألية ولا يفهم أي شيء مما ينتجه.

وقد قال العالم والفيلسوف وأحد مؤسسي الذكاء الاصطناعي مارفن منسكي إن اختبار تورينغ ما هو إلا مزحة. في حين يرى آخرون أنَّ هدف تورينغ هو جعلنا نفكر جدياً في هذا الموضوع فهو بالتأكيد يعلم أن الكمبيوتر لا يقوم إلا بعمليات حسابية لكن إنْ بلغ القدرة على انجاز مهام التفكير فهل يهمنا كيف يعمل من الداخل أم النتيجة التي تظهر لنا. فهل حقاً من المهم القول أن الطائرة تطير أم أنها تقلد فعل الطيران ولا تطير.