في خضم المفاوضات الشائكة بين الولايات المتحدة وإيران، التي تدور حول تخفيف العقوبات مقابل فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني، تصر واشنطن على مطلب "صفر تخصيب" لليورانيوم، وهو شرط تعتبره طهران خطاً أحمر، إذ يتجاوز البعد التقني ليصل إلى المساس بالسيادة والاستقلال الوطني. فهل يُعد القبول بهذا الشرط استسلاماً استراتيجياً؟
بالنسبة لإيران، يمثل القبول بهذا المطلب تراجعاً جوهرياً على مستويات متعددة، فالأمر ليس مجرد تفصيل تقني، بل يمس جوهر الأمن القومي والطموحات التكنولوجية الإيرانية.
إن إيقاف تخصيب اليورانيوم لا يقتصر على مجرد تعطيل عمليات التخصيب، بل يمتد إلى وقف تطوير أجهزة التخصيب، والحد من اكتساب الخبرة في تشغيلها، مما يؤدي إلى فقدان المعرفة التقنية والعلمية التراكمية في هذا المجال الحيوي. ومن منظور المشاعر الوطنية، فإن القدرة على إتقان دورة الوقود النووي المعقدة، بدءاً من التخصيب وصولاً إلى إنتاج الكهرباء، تُعد مصدراً للفخر الوطني وشهادة على الإمكانات العلمية والهندسية الإيرانية. لذا، يُنظر إلى تفكيك هذه المعرفة والبنية التحتية التي بنتها إيران بشق الأنفس على أنه تراجع استراتيجي وضربة للكرامة الوطنية، إذ يعكس تخلياً عن الطموح التكنولوجي في مجال تسعى فيه إيران لأن تكون رائدة إقليمية وقوة مستقلة في اتخاذ قراراتها الاستراتيجية.
كما أن فرض "صفر تخصيب" يُؤثر على أمن الطاقة والسيادة الاستراتيجية، إذ سيجعلها معتمدة كلياً على دول أخرى لتوريد اليورانيوم المخصب، وهو ما يُعرّض قطاعها النووي للضغوط الخارجية. إيران، التي تسعى لتوسيع برنامجها النووي لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الكهرباء، ستجد أن هذا القطاع خاضع لإرادة دول أخرى، بعضها قد لا تثق بها، ما يفتح الباب أمام استغلال هذا الاعتماد كأداة للضغط السياسي والتأثير على قراراتها الاستراتيجية.
لهذه الأسباب مجتمعة، فإن التخلي عن التخصيب لا يمثل مجرد تسوية سياسية، بل هو إعادة تشكيل للواقع الجيوسياسي بطريقة تُقيد استقلالية إيران الإقليمية. فالقبول بهذا الشرط "صفر تخصيب" يعني إخضاع قراراتها الاستراتيجية لإرادة الدول التي تشرف على تزويدها باليورانيوم المخصب، وهو ما يُشكل قيداً على سيادتها الوطنية. هذا بالضبط ما تهدف إليه العقوبات الحالية وربما لم تحققه، إذ سيجعل قطاع الطاقة النووية الإيراني رهينة للقوى الكبرى، مما يمنح هذه الدول القدرة على فرض عقوبات إضافية متى رأت أن سياسات إيران لا تتماشى مع توجهاتها. ولهذا، ترى طهران أن مطلب "صفر تخصيب" يمثل خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه.