السباق الجديد إلى القمر: أمريكا تستعيد حضورها وروسيا تتخبط

بقلم:   جاد طرابيشي           |  Sept. 16, 2025

us-russia-moon

لعدة عقود، سيطر السباق الفضائي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على العناوين الرئيسية للأخبار العالمية، حيث كان الوصول إلى القمر يمثل ذروة التنافس التكنولوجي والجيوسياسي. حقق السوفييت إنجازات رائدة في الفضاء، ولكن الولايات المتحدة تمكنت في النهاية من حسم السباق التاريخي لصالحها عبر برنامج "أبولو"، الذي توج بهبوط أول إنسان على سطح القمر في عام 1969.

يشهد السباق الفضائي عودة جديدة بعد عقود من الهدوء النسبي، لكن هذه المرة مع لاعبين جدد أبرزهم الصين والولايات المتحدة، إضافة إلى الشركات الخاصة التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من هذه المنافسة.

في هذا السياق، تبرز روسيا التي لا تزال تتخبط و تكافح لإعادة ترسيخ مكانتها، على عكس الولايات المتحدة التي تسير بخطى حثيثة وإصرار نحو العودة إلى القمر.

هذا التباين تجلى بوضوح في المهمات الأخيرة: ففي عام 2023، انتهت محاولة روسيا بالمركبة "لونا-25" بالفشل الذريع، في حين أظهرت الولايات المتحدة إصراراً كبيراً، فبعد فشل مركبة "بيريجرين" في يناير 2024، تبعتها بنجاح مركبة "أوديسيوس" في فبراير من نفس العام

فشل "لونا-25": روسيا تتعثر في أولى خطواتها

في أغسطس 2023، حاولت روسيا استئناف رحلاتها القمرية بعد انقطاع دام منذ آخر مهمة ناجحة في عام 1976. كانت الأنظار تتجه نحو المركبة "لونا-25" التي أرسلتها روسيا بهدف الهبوط بالقرب من القطب الجنوبي للقمر، وهو منطقة واعدة للاستكشافات المستقبلية. لكن المهمة انتهت نهاية مأساوية، حيث تحطمت المركبة قبل أن تلامس السطح. هذا الفشل كان بمثابة ضربة قاسية لسمعة برنامج الفضاء الروسي، وفشل في تحقيق ما أنجزه السوفييت قبل أكثر من أربعة عقود، رغم التقدم التقني المفترض.

أمريكا تواجه الفشل ثم تحرز النصر

على الجانب الآخر، واجهت الولايات المتحدة هي الأخرى تحديات في رحلتها نحو استعادة أمجادها القمرية. فبعد عدة أشهر، وفي يناير 2024، أطلقت أمريكا مركبة "بيريجرين" التابعة لشركة "أستروبيوتيك". لكن المهمة فشلت هي الأخرى بسبب خلل فني في نظام الدفع، ما أدى إلى احتراق المركبة في الغلاف الجوي للأرض بدلاً من هبوطها على سطح القمر.

لكن ما يميز النهج الأمريكي هو الإصرار والتخطيط للتعافي السريع. فبينما كانت خيبة أمل مهمة "بيريجرين" لا تزال حديث الأوساط الفضائية، كانت مهمة أخرى على وشك الانطلاق. أتبعت الولايات المتحدة فشلها سريعاً بمهمة من شركة أخرى هي "إنتايتف ماشينز"، التي نجحت في فبراير 2024 في تحقيق أول هبوط أمريكي على سطح القمر منذ مهمة "أبولو 17" في عام 1972. المركبة "أوديسيوس" أصبحت أول مركبة تجارية خاصة تنجح في الهبوط على سطح القمر، لتغلب بذلك النجاح على الفشل في غضون أسابيع قليلة وتثبت أن نهج الشراكة مع القطاع الخاص فعال في السباق الفضائي.

مستقبل السباق القمري

بينما تحتفل الولايات المتحدة بهذا الإنجاز التاريخي الذي أعاد لها مكانتها في سباق الفضاء، ما زالت روسيا تحتفظ بوصمة الفشل، دون إنجاز لاحق يمحو آثار تحطم "لونا-25" أو يعيد لها مكانتها في السباق القمري.

هذه الأحداث الأخيرة تُظهر بوضوح أن السباق الفضائي لم يعد مقتصراً على الإمكانيات الحكومية الضخمة فحسب، بل على القدرة على التكيف، والتعلم من الأخطاء، وتبني نموذج جديد يجمع بين التمويل الحكومي والإبداع التجاري.



مشاركة