تجربة الشق المزدوج: تجربة ميكانيكا الكم التي ألهبت الجدل بين أينشتاين ونيلز بور

بقلم:   تامر كرم           |  June 10, 2025

double-slit-exp

تعود تجربة الشق المزدوج (شقي يونغ) إلى عام 1801، عندما قام العالم الإنجليزي توماس يونغ بإثبات أن الضوء يتصرف كموجة، إذ قام بتسليط شعاع ضوئي على حاجز فيه شقين ضيقين، مما أدى إلى ظهور نمط تداخل على شاشة خلفهما. يتكون هذا النمط من مناطق ساطعة وأخرى داكنة؛ حيث توافق المناطق الساطعة القمم الموجية، بينما توافق المناطق الداكنة القيعان الموجية، مما يدل على أن الضوء يتصرف كموجة وينتشر ويتداخل مثل موجات الماء.

في عام 1927، أجرى فريقان من الفيزيائيين، بشكل مستقل، تجربة مماثلة لإطلاق الإلكترونات عبر شقين ضيقين بدلاً من الضوء. تم إطلاق إلكترون منفرد في كل مرة، وبعد تكرار العملية، ظهر على الشاشة نمط تداخل مشابه للنمط الذي يظهر عند استخدام الضوء، مما يدل على أن الإلكترون يتصرف كموجة. ولو كان يتصرف كجسيم فقط، لظهرت منطقتا تصادم خلف الشقين دون نمط التداخل الموجي.

المفاجأة الأكبر جاءت عندما حاول العلماء مراقبة الإلكترون لمعرفة أي شق يمر عبره؛ إذ اختفى نمط التداخل تماماً، وظهر نمط انتشار يشبه ما نتوقعه من جسيمات كلاسيكية، حيث ظهرت منطقتا تصادم خلف كل شق، وتجمعت الإلكترونات كما لو كانت مجرد جسيمات تمر عبر أحد الشقين دون أن تظهر أي سلوك موجي. أي عند مراقبته، تصرف الإلكترون كجسيم عادي، مثل كرة صغيرة، دون أن يظهر أي نمط تداخل. وهذا يشير إلى أن عملية القياس تؤثر بشكل مباشر على طبيعة الإلكترون، مما يجعله يتصرف كجسيم عند رصده، وكأنه يفقد خصائصه الموجية.

كانت هذه لحظة فارقة في تاريخ ميكانيكا الكم، حيث أكدت أن الجسيمات تمتلك ازدواجية الموجة والجسيم، وهي الفكرة التي اقترحها لويس دي برولي عام 1924، وصاغها رياضياً إرفين شرودنجر في معادلته الشهيرة. كما أثبتت أن عملية القياس تؤثر في نتائج التجربة، مما فتح الباب أمام العديد من التفسيرات المختلفة لميكانيكا الكم، وأشعل النقاشات حول حالة الجسيمات قبل رصدها—وهو جدل قاده في ذلك الوقت كل من نيلز بور وألبرت أينشتاين.

كان أينشتاين يعتقد أن الجسيمات تمتلك مواقع محددة وسلوكاً موجياً، لكنها توجد في حالات محددة وحتمية، حتى قبل قياسها. في المقابل، كان تفسير كوبنهاجن، الذي قاده نيلز بور، يرى أن الجسيمات تكون في حالة تراكب كمومي، أي أنها توجد في جميع الحالات الممكنة نظرياً، ولا يمكن تحديد حالتها قبل القياس. وفقاً لهذا التفسير، فإن عملية القياس نفسها تؤثر على حالة الجسيم، مما يعني أنه لا يمكن الحديث عن موقع الإلكترون قبل قياسه. ورغم أن بور لم يصرّح بأن الجسيم يوجد في أكثر من حالة فيزيائياً في نفس الوقت، إلا أن أي تفسير فيزيائي لموقفه قد يؤدي إلى هذه الفكرة.

ما زال الجدل مستمراً حتى اليوم حول تفسير حالة الجسيمات قبل القياس ومدى تأثير القياس على نتائج التجربة. ظهرت العديد من التفسيرات المختلفة، مثل تفسير العوالم المتوازية، الذي يقترح أن جميع الاحتمالات تتحقق في أكوان مختلفة، وتفسير بوم (نظرية المتغيرات المخفية)، الذي يتبنى رؤية أقرب إلى موقف أينشتاين، ويرى أن الجسيم يتأثر بموجة إرشادية (Pilot Wave) تتحكم في مسار الجسيم وتحدد سلوكه، مما يمنحه خصائص محددة تماماً حتى قبل القياس، خلافاً للتفسير الكوبنهاجني الذي يعتمد على الاحتمالات البحتة.



مشاركة