للوهلة الأولى، تبدو الصواريخ العنقودية والصواريخ متعددة الرؤوس متشابهة، فكلاهما مصمم لحمل وإطلاق عدة ذخائر أو رؤوس حربية من خلال صاروخ واحد، مما يمنحهما القدرة على ضرب أهداف متعددة في هجوم واحد. لكن هذا التشابه السطحي يخفي تبايناً جذرياً في فلسفة التصميم، والآلية التشغيلية، والغاية الاستراتيجية لكل منهما.
الصواريخ العنقودية
تعتمد الصواريخ العنقودية على مبدأ بسيط وفعال، وهو نشر عدد هائل من الذخائر الصغيرة فوق منطقة واسعة. فبدلاً من رأس حربي واحد كبير، يحمل الصاروخ حاوية تنفتح على ارتفاع محدد لتطلق عشرات أو مئات الذخائر الفرعية.
تكمن ميزته الأبرز في قدرته الفائقة على تغطية المنطقة، مما يجعله مثالياً ضد الأهداف المنتشرة وغير المحصنة مثل تجمعات المشاة، قوافل الإمداد، أو مدارج المطارات. علاوة على ذلك، يعتبر الصاروخ العنقودي مضاعفاً للقوة، حيث يحقق تأثيراً يتطلب إطلاق عدد كبير من القنابل التقليدية، مما يوفر الوقت والموارد ويقلل من تعريض المنصات القاذفة للخطر.
ولا يقتصر تأثيره على الجانب المادي فقط، بل يخلق أثراً نفسياً رادعاً على القوات المعادية، كما أن الذخائر التي لا تنفجر فوراً تحول المنطقة إلى حقل ألغام مؤقت، مما يعيق حركة العدو ويحرمه من استخدام الأرض.
الصواريخ متعددة الرؤوس
على النقيض تماماً، تمثل الصواريخ متعددة الرؤوس قفزة نوعية في عالم الأسلحة الاستراتيجية، حيث لا تهدف إلى النشر العشوائي، بل إلى الضرب الدقيق والمضاعف. يحمل هذا النوع من الصواريخ عدة رؤوس حربية مستقلة تُعرف باسم "مركبات العودة المتعددة المستقلة" (MIRV). بعد وصول الصاروخ إلى الفضاء، تبدأ مركبة خاصة في إطلاق كل رأس حربي على مسار منفصل نحو هدف استراتيجي محدد مسبقاً.
تكمن ميزتها الحاسمة في قدرتها على اختراق منظومات الدفاع الصاروخي، فبدلاً من أن تتعامل المنظومة مع صاروخ واحد، عليها الآن اعتراض عدة رؤوس حربية ووسائل خداعية تُطلق معها، مما يربك أي نظام دفاعي.
هذه القدرة تعظم الفعالية التدميرية لكل صاروخ، إذ يصبح بإمكانه تهديد عدة مدن أو قواعد عسكرية في آن واحد، مما يمنح مالكه مرونة استراتيجية هائلة في استهداف مجموعة متنوعة من الأهداف الحيوية بضربة واحدة منسقة.
في المحصلة، يكمن الفرق الجوهري في فلسفة الاستخدام العسكري. يمكن تشبيه الصاروخ العنقودي بـ "بندقية صيد" تطلق رذاذاً واسعاً من الشظايا لتغطية أكبر مساحة ممكنة، وهو سلاح تكتيكي يهدف إلى إحداث تأثير فوري وواسع النطاق في ساحة المعركة. أما الصاروخ متعدد الرؤوس، فهو أشبه بـ "فريق من القناصة المحترفين" يُطلقون من منصة واحدة، حيث يتجه كل قناص (رأس حربي) بدقة متناهية ليصيب هدفه الاستراتيجي الحيوي. الأول يهدف إلى السيطرة على الأرض، بينما الثاني يهدف إلى تغيير موازين القوى الاستراتيجية وردع العدو من الأساس.