في زمن يعاني فيه أكثر من 2.2 مليار شخص حول العالم من نقص المياه الصالحة للشرب، تتفاقم الأزمة تحديداً في المناطق النائية والصحراوية، حيث تكاد تنعدم مصادر المياه التقليدية. وبينما تبدو الحلول التقليدية غير كافية أو معقدة، جاء فريق من مهندسي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) بفكرة جديدة: استخراج مياه الشرب من الهواء مباشرة، دون الحاجة إلى كهرباء أو طاقة شمسية أو حتى بطاريات.
الهواء مهما بدا جافاً، يحمل بخار ماء، هذا البخار هو ما استهدفه الباحثون عبر جهاز مبتكر يعتمد على مادة تسمى الهيدروجيل، وهي مادة ناعمة ومسامية، تتكون أساساً من الماء وشبكة دقيقة من ألياف البوليمر المتشابكة. ولتعزيز قدرتها على الامتصاص، أُدمجت فيها أملاح وجليسرين، يعملان على جذب بخار الماء من الهواء واحتجازه داخل الهيدروجيل حتى في ظروف الرطوبة المنخفضة جداً التي قد تصل إلى 10%. وما يجعل هذا الجهاز مميزاً أن الجليسرين يحبس الأملاح داخل المادة، مانعاً تسربها مع الماء الناتج، مما يُنتج مياهاً نقية صالحة للشرب دون الحاجة إلى فلاتر أو معالجة إضافية.
ابتكر الفريق شكلًا ذكياً للهيدروجيل؛ بدلاً من سطح مسطح، صُمّمت المادة على هيئة فقاعات صغيرة تشبه الغلاف الفقاعي، وهي تتضخم حين تمتص الماء ثم تنكمش عند إطلاقه. هذا التصميم يضاعف مساحة السطح المعرض للهواء، وبالتالي يُعزز كفاءة الجهاز في حصد البخار. ثم غُلّف الجهاز داخل حجرة زجاجية شفافة، وأُضيف إليها غشاء بوليمري خاص يعمل على تبريد السطح الخارجي، مما يسهم في تكاثف البخار على الزجاج بفعالية، لتحويله إلى قطرات ماء تنساب بسلاسة نحو أنبوب صغير، ينقلها إلى خزان مدمج.
كيف يعمل هذا الجهاز؟
في الليل، حين ترتفع نسبة بخار الماء في الهواء، حتى في المناطق الصحراوية، يمتص الهيدروجيل هذا البخار بكفاءة عالية. ويسهم شكله الفقاعي المصمم بعناية في تعزيز قدرته على جمع بخار الماء.
وعندما تشرق الشمس صباحًا، يسخن الهيدروجيل وتبدأ القباب بالانكماش، مطلقة البخار المحبوس داخلها. يتكثف هذا البخار مباشرة على الزجاج الشفاف الذي يغلّف الجهاز، لأن الزجاج مغطى بطبقة بوليمر تُبقيه في درجة حرارة منخفضة. يحفّز الفرق الحراري بين الداخل والخارج عملية التكاثف بفعالية، فتتحول الرطوبة إلى قطرات ماء تنساب نحو الأسفل عبر أنابيب بسيطة، لتتجمع في الخزان الصغير المدمج بالجهاز.
تبيّن فعالية هذا التصميم عند اختبار الجهاز ميدانياً في وادي الموت بكاليفورنيا، أحد أكثر الأماكن جفافاً في أمريكا الشمالية. وعلى مدى أسبوع كامل في نوفمبر 2023، نجح الجهاز في العمل بين رطوبة نسبية تراوحت بين 21% و88%، وأنتج يومياً ما يصل إلى 161.5 مل من الماء، أي ما يعادل تقريباً نصف عبوة مشروبات غازية كوكاكولا. ويبلغ حجم الجهاز نصف متر مربع فقط، مما يفتح الباب لتركيب عدة وحدات في مصفوفة رأسية قادرة على تلبية حاجات منزل كامل من مياه الشرب، حتى في الصحراء. بل إنه من المتوقع أن يزداد الإنتاج في المناخات الاستوائية والمعتدلة حيث تكون الرطوبة أعلى.
هذا الابتكار مثالي لمخيمات اللاجئين، ومناطق الكوارث، والمجتمعات التي تعيش خارج الشبكة. وقد نُشرت تفاصيل التصميم في مجلة "نيتشر ووتر"، ومن المتوقع أن يبدأ تصنيعه على نطاق واسع بحلول عام 2026.