تمكن رواد الفضاء على متن محطة الفضاء الصينية "تيانغونغ" من إعداد أول وجبة شواء حقيقية في المدار، حيث قاموا بطهي أجنحة الدجاج وشرائح اللحم باستخدام جهاز مبتكر يشبه الفرن الهوائي (Air Fryer). يشكل نجاح هذه التجربة نقلة نوعية في جودة الحياة اليومية في الفضاء، إذ يُثبت أن الطهي الفعلي ممكن التحقق في بيئة مغلقة ذات جاذبية ضعيفة.
الجهاز الذي استخدمه الرواد صُمم خصيصاً ليتناسب مع ظروف انعدام الوزن تقريباً، ويعتمد في تشغيله على تسخين الهواء حتى درجة حرارة تصل إلى 190 درجة مئوية، ثم تدويره بواسطة مراوح داخلية. ولأن حركة الهواء لا تتم بشكل طبيعي في الفضاء كما هي على الأرض، كان لا بد من الاعتماد على نظام تدفق قسري عبر المراوح لضمان توزيع الحرارة بالتساوي. أما الطعام نفسه فقد وُضع داخل شبكة معدنية تشبه القفص لمنع قطع اللحم من الطفو داخل الفرن، ثم أُدخل إلى حجرة مغلقة بالكامل لمنع أي تسرب للدخان إلى هواء المحطة.
كانت التحديات التي واجهت هذه العملية عديدة، أبرزها ضرورة منع انبعاث الدخان أو الروائح التي قد تؤثر على نظام تنقية الهواء المعقد داخل المحطة (التي تحتوي هواء بضغط الأرض، لكنها محاطة بفراغ). إضافة إلى ذلك، كان لا بد من ضمان أن الجهاز لا يشكل أي خطر كهربائي أو حراري في تلك البيئة الحساسة والمحدودة. تمثل الحل في تصميم جهاز مدمج ومثبت في جدار المحطة، يعمل دون الحاجة إلى الزيت، ويحتوي على نظام فلترة داخلي متقدم يمنع تسرب أي جسيمات دقيقة. كما أن صغر حجم الجهاز وخفة وزنه جعلاه ملائماً تماماً للاستخدام في مساحة ضيقة مثل محطة الفضاء.
أهمية هذه التجربة تتجاوز مجرد تحسين قائمة الطعام؛ فهي تعكس تطوراً في التفكير نحو جعل الحياة في الفضاء أكثر إنسانية واستدامة. فتناول وجبة مطهوة حديثاً يمنح الرواد شعوراً بالراحة النفسية ويعمل على تخفيف الضغط والتوتر الناتج عن العزلة وطول مدة المهام. كما أن إنجاز هذه التقنية يفتح الباب أمام تطوير أجهزة طهي أكثر تنوعاً وفعالية، وهو أمر بالغ الأهمية إذا ما اتجهت البشرية نحو بناء قواعد دائمة على سطح القمر أو المريخ، حيث سيحتاج الرواد إلى أنظمة غذائية متكاملة وأكثر مرونة.
المشهد الذي ظهر فيه رواد الفضاء وهم يتذوقون الأجنحة المشوية بابتسامة عريضة لم يكن مجرد لقطة ترويجية، بل كان بمثابة إعلان عن مرحلة جديدة في تاريخ استكشاف الفضاء، حيث لم يعد هدف الإنسان يقتصر على البقاء على قيد الحياة في المدار، بل يسعى إلى عيش حياة طبيعية ومريحة قدر الإمكان، مع طعام طازج ومذاق مألوف يعيد له جزءاً من دفء وذاكرة الأرض.