تشرنوبل الطائر: روسيا تستعد لاختبار أول صاروخ بمحرك نووي

بقلم:   جاد طرابيشي           |  Aug. 8, 2025

russia-nuclear-cruise

تستعد روسيا لاختبار أول صاروخ في العالم يعمل بالطاقة النووية، ويحمل اسم "بوريفيستنيك" (9M730)، وذلك خلال الفترة الممتدة من 7 إلى 12 أغسطس 2025، في أرخبيل نوفايا زيمليا الواقع في منطقة القطب الشمالي.

هذا الخبر قد لا يكون مجرد تكهنات، فهو يستند إلى مؤشرات دقيقة رصدتها عدة مصادر، من بين هذه المؤشرات إغلاق المجالين الجوي والبحري في المنطقة المحددة، وتحركات غير اعتيادية لسفن روسية وطائرات تابعة لوكالة الطاقة النووية الروسية "روس آتوم"، بالإضافة إلى تحليق طائرة أميركية من طراز WC-135R المعروفة باسم "كاشفة النوويات" فوق بحر بارنتس، وهي طائرة مخصصة لرصد الجزيئات المشعة في الجو، مما يعزز فرضية وجود نشاط نووي غير تقليدي.

الصاروخ 9M730 بوريفيستنيك ليس مجهولاً أو سرياً بالكامل، بل هو مشروع معلن عنه منذ سنوات ضمن مجموعة الأسلحة الاستراتيجية التي كشف عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عام 2018. يحمل هذا الصاروخ رمزاً من الناتو هو SSC-X-9 Skyfall، وقد أُجريت عليه عدة تجارب سابقة، يُعتقد أن عددها تجاوز الثلاثة عشر، إلا أن معظمها باء بالفشل، بما في ذلك تجربة عام 2019 التي أدت إلى انفجار ومقتل عدد من العلماء الروس وتسرب إشعاعي في المنطقة.

ما يميز هذا الصاروخ عن غيره هو نظام دفعه النووي، الذي يمنحه قدرة غير محدودة تقريباً على التحليق لمسافات طويلة جداً، متجاوزاً بذلك حدود الصواريخ التقليدية التي تعتمد على الوقود السائل أو الصلب. بفضل هذا النظام، يمكن للصاروخ أن يحلق لعدة أيام، متجنباً الرادارات وأنظمة الدفاع الجوي، ويغير مساره بشكل غير متوقع، مما يجعله سلاحاً يصعب اعتراضه. إلا أن هذه التقنية تحمل مخاطر بيئية جسيمة، إذ أن أي خلل في تشغيل المفاعل النووي قد يؤدي إلى كارثة إشعاعية، ولهذا أطلق عليه بعض الخبراء الأميركيين لقب "تشيرنوبيل الطائر".

توقيت هذا الاختبار ليس عشوائياً، بل يأتي في سياق تصاعد التوترات الجيوسياسية، خاصة مع الغرب، حيث تسعى روسيا إلى استعراض قدراتها النووية غير التقليدية، وإرسال رسالة مفادها أنها تمتلك أدوات ردع يصعب مواجهتها. الهدف من تطوير هذا النوع من الصواريخ هو تجاوز أنظمة الدفاع الصاروخي الأميركية، التي تعتمد على توقع المسارات الثابتة للصواريخ الباليستية، بينما يتمتع بوريفيستنيك بمرونة عالية في تغيير المسار والبقاء في الجو لفترات طويلة، مما يجعله تهديداً استراتيجياً يصعب احتواؤه.

الحاجة إلى هذا النوع من الأسلحة تنبع من رغبة روسيا في الحفاظ على توازن الردع النووي في مواجهة التطورات التكنولوجية الغربية، خاصة في مجال الدفاع الصاروخي. فبينما تطور الولايات المتحدة أنظمة لاعتراض الصواريخ الباليستية، ترى موسكو أن صاروخاً مثل بوريفيستنيك يمكنه تجاوز هذه الأنظمة، وبالتالي ضمان قدرة الرد في حال نشوب نزاع نووي. ومع أن المشروع لا يزال يواجه تحديات تقنية كبيرة، إلا أن مجرد الإعلان عن اختبار جديد له يعكس إصرار روسيا على المضي قدماً في تطويره، رغم المخاطر البيئية والسياسية التي قد تترتب على ذلك.



مشاركة