مراجعة مسلسل تاج

بقلم:   سامي الناصر           |  April 9, 2024

taj

كنت قد كتبت مراجعات حتى الحلقة 25، مراجعة لكل خمس حلقات. وهذه ستكون مراجعة نهائية للمسلسل ككل.

القصة

تدور أحداث القصة في دمشق خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، في ظل الاحتلال الفرنسي، وتنتهي بنيل سوريا الاستقلال عام 1946. تروي حكاية تاج، بطل ملاكمة ومناضل سري ضد الاحتلال الفرنسي، ومسيرته الشخصية والنضالية المترابطتين.

تُشكل القصة بجزء منها تأريخاً لتلك الفترة الزمنية من النضال ضد الفرنسيين في دمشق، تلقي الضوء على طبيعة الناس وتنوعهم وثقافتهم، تشابههم واختلافاتهم. بطلها تاج هو كالعابر في تلك المرحلة وتلك الأماكن، يأخذنا لنتعرف عليها في إطار قصصي جذاب.

نقاط الضعف

القصة بحد ذاتها جذابة، مشوقة، غنية ومتكاملة. مبنية بشكل سليم، تتصاعد فيها الأحداث وتتطور الشخصيات بشكل مدروس ومقنع. لكن توزيعها على 30 حلقة يجعلها رتيبة وبطيئة، نظراً لقلة الأحداث المشوقة وتركيزها على خط واحد فقط هو خط تاج الذي يتحرك ضمن بيئة واحدة. فكل ما يجري ينعكس أثره مباشرة على تاج، وهو جزء منه بطريقة ما.

كما أن الحلقات الأولى تصور أحداث لا نرتبط بشخصياتها، كالمظاهرات في الجامعات، فهي أحداث مكررة والأشخاص فيها غير مثيرين للاهتمام مثل لويس وحنان. لكن هذا يتغير في النصف الثاني.

خلال النصف الأول، تكون القضية الرئيسية هي سرقة ملفات العملاء ثم البحث عنها. ويتم خلالها تكرار حدث دخول تاج لمبنى فرنسي ثلاث مرات، دون الشعور بوجود ما يستحق المغامرة، فأثر الحصول على الملفات لا يبدو واضحاً.

بعد مقتل الضابط هنري، تصبح الأحداث أكثر إثارة وتشويقًا، ويتراجع مسار الملفات ليبدأ مسار مشوق هو مسار المواجهة بين تاج وجول لتحرير صبحي. لكن هذا المسار لا يستمر طويلاً، فبعد مقتل صبحي يعود المسلسل لإيقاعه البطيء، حتى أن هناك حلقة كاملة، ربما كانت الحلقة 18، مملة للغاية، كلها ذكريات وأحزان.

يعود المسلسل في الحلقات الأخيرة إلى مسار مشوق أكثر، يبدأ بالمواجهة الفرنسية-السورية أثناء قصف البرلمان السوري، ويخرج تاج من السجن ويقومون بتفجير حامية فرنسية. حلقات المواجهة المباشرة كانت مليئة بالأحداث والإمتاع البصري، وهذه المرة تشعر بنوع من الارتباط مع شخصياتها ومع أفعالهم في كل مشهد.

الشخصيات والحوارات

كل الشخصيات التي ظهرت وكل الحوارات التي حدثت في مكانها، شخصيات مختلفة متنوعة تتكلم حسب تكوينها وفهمها وثقافتها وبحوارات تتناسب معها. لم أجد حوار تلقيني أو شخصية تقوم بالسرد الممل، يتدخل الراوي أحياناً ليخبرنا بعض المعلومات التي تغني فهمنا لسياق الأحداث.

الشخصيات مبنية وفق خطوط واضحة لاتجد فيها تناقض، كل الأفعال التي اتخذتها الشخصيات في مرحلة ما تجد أساس له في أفعالها وأقوالها سابقاً.

الممثلون

باستثناء دور صاحب السينما كل الممثلين يجيدون تأدية أدوارهم بحرفية واضحة. فحتى الممثلون ذوي الأدوار الصغيرة يؤدون أدوارهم على أكمل وجه.

يتقن تيم حسن (تاج) لعب شخصية الملاكم بشكل لافت، ففي المباريات تشعر أنه ملاكم فعلاً بحركاته، ضرباته وتصرفاته في فترات راحته، وفي الحياة أينما تواجد عندما يتخذ وضع الملاكمة تشعر أنك أمام ملاكم، وآثار هذه الرياضة/المهنة نراها في طريقته في المشي والكلام والنظرات وحتى التشبيهات التي يستخدمها أحياناً. فتشعر دائماً أنه الملاكم رغم أن القصة ليست عن بطولته في ميدان الملاكمة.

كفاح الخوص (سليم) يقوم بدور الصحفي المناضل المستهتر أحياناً والمندفع والمتحمس لخوض التجارب، ويلعب الخوص هذا الدور ببراعة وتميز واضح، يصلك قوة شعوره (خوفه احتياله حبه) ببساطة وسلاسة من تعابير وجهه.

كما يلعب جوزيف بونصار دور الضابط الفرنسي جول ويؤديه باقتدار كبير فتشعر فعلاً أنك أمام ضابط كبير محنك لديه رؤية ونظرة ثاقبة وتعجرف كبير وأسلوب خاص في الكلام تجعل من حواراته الغنية مشاهد شيقة تُنتظر.

يلعب بسام كوسا (رياض) دور العميل الذي تزوج زوجة تاج ليصبح عدواً على المستوى الوطني والشخصي. رغم أهمية الشخصية في الأحداث لكنها لم تكن أبداً مركزها إلاّ في الحلقات الأخيرة التي استمتعت فيها بأدائه الفريد المبدع.

تلعب فايا يونان (نوران) زوجة تاج ثم رياض وكتجربة أولى كان حضورها جميلاً وأدائها مقنعاً في معظم المشاهد، ومن المؤكد أن المشاهد الإنفعالية مع بسام كوسا كان يمكن أن تكون أكثر إقناعاً خاصة نهاية مشهد العشاء الأخير.

تلعب ملاك الكنعان (جيني) دور الجاسوسة الانكليزية ولاعبة الخفة وتؤديها بطريقة مبدعة تقنعك تماماً أنها لاعبة خفة بحركاتها وأفعالها، و تقنعك أنها جاسوسة مدربة بطريقتها في الكلام ونظرات عيونها، وأنها انكليزية -تقود بلدها انتصار الحرب العالمية الثانية- بثقتها المفرطة بنفسها ونطقها الانكليزي للانكليزية.

جول لباد أتقن لعب دور صبحي وترك أثراً، دوجانا عيسى بعد مشهد قتل عمر أصبح دورها أكثر إثارة، إيهاب شعبان وموفق الأحمد يتركون أثراً و بمشاهد قليلة أجاد باسل حيدر لعب شخصية شكري القوتلي وإيصال نظرة عما تحمله من اتزان ورصانة وكبر، هدوء وبساطة وعزة.

كما أثرت منى واصف المسلسل، بحضورها كأم لأحد شهداء البرلمان، وأعطت قيمة لمشاهد كانت قد تمر مرور الكرام بدونها.

الإخراج

عمل متميز من ناحية الإخراج، فالصورة جميلة والمشاهد مصورة بعناية واضحة، الإضاءة تناسب المكان مع لمسة خاصة (فلاتر) تشعرك أنك في ذاك الزمن، يعزز هذا الشعور الديكورات والملابس المشغولة بدقة لتناسب تلك المرحلة وتناسب كل شخصية بمختلف المراحل العمرية والأماكن التي تتواجد بها، و مشاهد الأكشن مصممة ومنفذة بطريقة محترفة تبشر بنقلة نوعية في صناعة الدراما السورية.

هناك مشاهد ذكرتني بمشاهد أفلام عالمية مثل مشهد مبادلة لويس و صبحي، طريقة التصوير والحوارات في السيارات ذكرتني بالعراب وكذلك مشهد التفجير في الحلقات الاخيرة ذكرني بفيلم أوبنهايمر فشكل النار المتكون يشبه شكل انفجار تجربة القنبلة النووية في الفيلم.

ذكرت في مراجعات الحلقات استسهال سامر البرقاوي للقتل فكيف يموت الضابط الفرنسي بطعنة مقص واحدة مباشرة من يد غير خبيرة. وكيف يُخنق ملاكم بربطة عنق خلال ثواني دون مقاومة. لكننا رأينا كيف تغير هذا في آخر حلقة عندما طعنت نوران رياض فقد طعنته مرتين وبعدها مشى عدة خطوات ثم مات، وهذا يؤكد أن البرقاوي استسهل تمويت الأشخاص أحياناً لكن ليس دائماً.



مشاركة