تعتمد الشرائح الإلكترونية، مثل المعالجات التي نستخدمها اليوم، على نقل المعلومات عبر الإلكترونات التي تسري داخل مسارات دقيقة جداً. ولأن الإلكترونات تمتلك كتلة، فإن حركتها تولد مقاومة واحتكاكاً ينتج عنهما حرارة شديدة، فضلاً عن تداخل الإشارات عند السرعات العالية.
أما الشريحة الضوئية، فتستبدل التيار الكهربائي بـ الضوء (الفوتونات). وبما أن الفوتونات عديمة الكتلة، فهي لا تولد حرارة أثناء حركتها، وتسافر بسرعة الضوء دون أن يؤثر أي شعاع على الآخر حتى عند التقاطع، مما يفتح آفاقاً غير مسبوقة للسرعة.
في الإلكترونيات، يُعد الترانزستور المكون الأساسي، حيث يعمل كمفتاح يمرر التيار أو يقطعه (لتمثيل 0 و1). أما في العالم الضوئي، فالمقابل له هو جهاز يسمى مقياس التداخل (Interferometer). في هذا الجهاز، يُشطر شعاع الضوء إلى نصفين، ويتم تعديل مسار أحدهما قليلاً، وعند التقائهما مجدداً، إما أن يقوي أحدهما الآخر (ضوء ساطع = 1) أو يلغيه (ظلام = 0). هذه العملية هي أساس الحسابات والمنطق داخل الشريحة. أما بديل الأسلاك التقليدية، فهو قنوات زجاجية نانوية تسمى الموجهات الموجية (Waveguides)، تحبس الضوء وتوجهه بدقة.
تعتمد هذه الشرائح في تصنيعها غالباً على السيليكون، مما يتيح إنتاجها في المصانع الحالية، لكن السيليكون وحده لا يكفي كونه لا يُصدر الضوء. لذا، يلجأ المهندسون لدمج مواد كريستالية خاصة (مثل فوسفيد الإنديوم) لتعمل كمولدات لليزر، مما يجعل الشريحة هجيناً معقداً من مواد مختلفة تتطلب دقة تصنيع فائقة لضمان كفاءة نقل الضوء.
تتمثل أبرز نقاط قوة هذه التقنية في السرعة الفائقة مع غياب الحرارة، إضافة إلى القدرة على نقل بيانات متعددة في وقت واحد عبر المسار نفسه باستخدام ألوان (أطوال موجية) مختلفة للضوء، مما يضاعف سعة البيانات بشكل هائل.
لكن، لماذا لم نستبدل حواسيبنا بها حتى الآن؟
يعود ذلك لسببين رئيسيين: الأول هو الحجم؛ فالضوء موجة لا يمكن حصرها في مسارات ضيقة جداً كالتي تسري فيها الإلكترونات (حيث تقاس الترانزستورات بالنانومترات)، بينما المكونات الضوئية أكبر بآلاف المرات، مما يمنع دمج مليارات المكونات في مساحة صغيرة.
العيب الثاني هو الذاكرة؛ فالضوء يجب أن يبقى متحركاً ولا يمكن تجميده للتخزين. لذا، يتطلب الأمر تحويل الإشارة لنسخها في ذاكرة إلكترونية ثم إعادتها لضوء، وهذا التحويل المستمر يستهلك الطاقة ويحد من السرعة.
أخيراً، تواجه الشرائح الضوئية تحدي الدقة الرقمية. المعالجات الإلكترونية دقيقة تماماً (1+1=2)، أما الضوئية فتعتمد على قياس شدة الضوء التناظرية، والتي قد تتأثر بعوامل طفيفة لتصبح النتيجة تقريبية (مثل 1.999 أو 2.001). هذه الدقة تكفي للذكاء الاصطناعي ومعالجة الصور، لكنها لا تصلح للحسابات المالية الدقيقة.
لذا، لا يكمن المستقبل في استبدال الإلكترونيات بالكامل، بل في تكامل ذكي بينهما: ضوئية للسرعة، وعقل إلكتروني للدقة والتحكم.