ما هي مصانع الذكاء الاصطناعي؟

بقلم:   د. حسام حمدان           |  March 23, 2024

ai_factory_1

كما انتشرت الكهرباء في كل بيت ومصنع وأشعلت ثورة في المجتمع والصناعة، ينتشر اليوم الذكاء الاصطناعي في كل مكان. كاليد الخفية التي تعمل على تشكيل عالمنا، وتُوجيه خياراتنا بصمت:  من توصيات الفيديو والخوارزميات التي تقود المركبات والروبوتات إلى الدور المهم الذي تلعبه في اكتشاف الأدوية، والتشخيص الطبي، والإنجازات العلمية.

وبفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي ومنتجاته مثل ChatGPT، يتفاعل عدد أكبر من الأشخاص بشكل مباشر مع الذكاء الاصطناعي. وهذا يحتاج قدرات حسابية متزايدة لتلبية هذا الطلب المتزايد من الأفراد والصناعات، ومن هنا جاءت الحاجة لمصانع الذكاء الاصطناعي.

مصانع الذكاء الاصطناعي

مثل مراكز البيانات، تضم مصانع الذكاء الاصطناعي شبكة واسعة من الخوادم والكمبيوترات وأجهزة شبكية وكابلات تربطها ببعضها في بيئة آمنة وخاضعة للرقابة ومزودة بنظام تبريد فعال للتخلص من الحرارة الكبيرة التي تنتجها. ولكن وظيفتها ومكوناتها الأساسية قد تختلف بشكل كبير عن مراكز البيانات.

ولهذا السبب يفضل جونسون هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، أثناء حديثه في GTC 2024، عدم تسميتها بمراكز البيانات. إذ ينظر إليها على أنها مصانع تدخل إليها المواد الخام وتخرج منها منتجات نهائية ذات قيمة عالية.

فعلى غرار الطريقة التي تحول بها محطات الطاقة الماء الداخل إليها كمادة أولية إلى كهرباء. تقوم مصانع الذكاء الاصطناعي بتحويل البيانات والكهرباء التي تدخل إليها إلى رموز تخرج منها. هذه الرموز، على الرغم من أنها غير ملموسة، لكنها ذات قيمة كبيرة يمكن أن تشكل مخرجات مختلفة، كنص مشابه لما ينتجه جيميناي، أو صور مثل تلك التي يرسمها ميدجورني أو مقاطع فيديو مثل إبداعات Sora. كما يمكن أن تكون أوامر للتحكم بروبوت،أو سيارة أو طائرة ذاتية القيادة. كما يمكنها أن تكون رؤى وتحليلات قيمة تعمل على تحسين العمل و عملية صنع القرار في جميع المجالات.

هكذا تختلف هذه المصانع عن مراكز البيانات- التي تهتم بمعالجة وتخزين وتحليل البيانات- بأنها مخصصة لتدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي الضخمة بسرعة وكفاءة عالية. لذلك تكون وحدات المعالجة المخصصة للذكاء الاصطناعي مثل شريحة بلاك ويل B200 هي حجر الأساس والمكون الرئيسي في خوادم هذه المصانع.

هذه المصانع كيف تصنع الذكاء ؟

لا تصنع هذه المصانع الذكاء بل تساعد في تدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي التي تصنعه. ويتم ذلك من خلال إنجاز مهمتين أساسيتين:

1- تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي

بعد إعداد البيانات واختيار بنية نموذج الذكاء الاصطناعي الذي نريده يتم تدريبه لإنجاز المهمة المرجوة. التدريب هو عملية تكرارية حيث يقوم النموذج بعمل تنبؤات بناءً على البيانات التي تدخله. ثم تتم مقارنة هذه التنبؤات بالبيانات الفعلية لتقييم دقته. تستمر هذه الدورة حتى يحقق النموذج المستوى المطلوب من الأداء، وعند هذه النقطة يمكن نشره لتنفيذ مهام الذكاء الاصطناعي.التدريب عملية معقدة تتطلب قوة حسابية كبيرة ووقتاً وطاقة، تهدف مصانع الذكاء الاصطناعي إلى تحسين كل هذه الجوانب.

قامت إنفيديا بتحسينات كبيرة في كفاءة التدريب مع أحدث جيل من الرقائق، وهي وحدات معالجة الرسوميات بلاك ويل -العمود الفقري لمصانع إنفيديا للذكاء الاصطناعي. في السابق كان تدريب نموذج يحتوي على 1.8 تريليون معلمة يتطلب 8000 وحدة معالجة رسومات من نوع هوبر، وتستهلك 15 ميجاوات من الطاقة. لكن معمارية بلاك ويل الجديدة تحقق نفس الإنجاز مع عدد أقل من وحدات معالجة الرسومات بأربع مرات (2000 وحدة فقط) مع انخفاض في استهلاك الطاقة بنسبة 73% (4 ميجاوات).

2- تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي

في هذه العملية، يتم تحميل النموذج المدرب. ثم يأخذ البيانات كدخل ويجري العمليات الحسابية اللازمة لإنتاج التنبؤات. وتسمى هذه العملية الاستدلال.

يتطلب الاستدلال عادة قوة حسابية أقل مقارنة بالتدريب. ولكن عندما يستخدم ملايين المستخدمين النموذج كما هو الحال مع نماذج اللغة الكبيرة مثل جيميناي وChatGPT، يصبح تشغيله للإجابة على كل الطلبات بسرعة أمر معقد، تساعد مصانع الذكاء الاصطناعي بفضل قوتها الحاسوبية الكبيرة بتوزيع عبء العمل بكفاءة عالية عند الحاجة مما يتيح أمكانية التوسع الفعال للتعامل مع ملايين طلبات الاستدلال في وقت واحد.

تقول إنفيديا أنها حسنت قدرات الاستدلال بمقدار 7 أضعاف لنموذج GPT-3 مع 175 مليار معلمة، وذلك عند استخدام بلاك ويل GB200 عوضاً عن H100.

من يصنع مصانع الذكاء الاصطناعي؟

مصانع الذكاء الاصطناعي، كما تصورتها شركة إنفيديا، لم يتم بناؤها بعد. لكن في أواخر عام 2023، أعلنت إنفيديا عن تعاون مع Foxconn لتطوير هذه المصانع التي يُفترض أن تستخدام وحدات معالجة رسوميات وبرمجيات من إنفيديا.

في مارس 2024، كشف الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا عن توأم رقمي لمصنع ذكاء اصطناعي مجهز بـ 32000 وحدة معالجة رسوميات بلاك ويل B200. وقال أن هذا المصنع يتم تطويره خصيصاً لخدمة أمازون السحابية (AWS). فقد يكون أول مصنع للذكاء الاصطناعي.

تُعد إنفيديا حالياً المزود الرائد لمصانع الذكاء الاصطناعي (على الأرجح الوحيد). ومن المحتمل أن تقوم شركات مثل AMD وإنتل بتطوير حلولها الخاصة قريباً، على الرغم من أن تركيزها الحالي ينصب على إنشاء وحدات معالجة ذكاء اصطناعي (GPUs) تنافس ما تنتجه إنفيديا.

ما مستقبل مصانع الذكاء الاصطناعي؟

يمكننا أن نتوقع رؤية الكثير من مصانع الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب ودخول عدد أكبر من الشركات في صناعتها غير إنفيديا.

وسيتم التركيز بشكل رئيسي على زيادة القوة الحسابية وتحسين الكفاءة، لا سيما فيما يتعلق بالأداء وتوفير الطاقة. وهذا يتضمن تحسين أداء وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) وتحسين أجهزة الشبكة لتسريع نقل البيانات فيما بينها.

ويعتمد تطوير مصانع الذكاء الاصطناعي على جانب حاسم: مستخدميها. إذ سيعتمد الباحثون ومطورو نماذج الذكاء الاصطناعي على هذه المصانع لبناء نماذج أكبر وأكثر دقة تعالج المهام المعقدة في مختلف الصناعات ويستخدمها عدد كبير من الأفراد مما يزيد الحاجة إلى تحسين قدرات هذه المصانع لتشغيلها بفعالية أكبر وخدمة أعداد أكبر وهذا سيخلق دورة مستمرة من التطوير.

وهكذا، تعمل مصانع الذكاء الاصطناعي على تعزيز تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المتزايدة الذكاء، والعكس صحيح تتطلب هذه النماذج المتقدمة بدورها مصانع ذكاء اصطناعي أكثر كفاءة.



مشاركة