أعتقد أن أتمتة عملية البحث العلمي بالكامل غير ممكنة، فلا تزال القرارات الحاسمة المتعلقة بتخصيص الموارد تتطلب تدخلاً بشرياً.
سلطت ورقة بحث جديدة بعنوان "عالم الذكاء الاصطناعي The AI Scientist" الضوء على أن تكلفة إنتاج ورقة بحثية باستخدام هذا النظام المؤتمت تبلغ حوالي 15 دولاراً. في حين أن هذه التكلفة المنخفضة مفيدة لمشاريع البحث ذات الميزانية الصغيرة، فقد لا تكون كافية لتحقيق تقدم كبير في أي مجال.
دعونا نناقش "عالم الذكاء الاصطناعي": هل يؤتمت حقاً عملية البحث العلمي؟
يهدف إطار عمل "عالم الذكاء الاصطناعي" إلى أتمتة عملية البحث العلمي بالكامل. يتضمن ذلك توليد أفكار بحثية جديدة واقتراح طرق لاختبارها وكتابة التعليمات البرمجية وتنفيذ التجارب وكتابة أوراق علمية كاملة.
أولاً، يٌقدم البشر موضوع البحث إلى "عالم الذكاء الاصطناعي" كنقطة انطلاق. ثم يستخدم الذكاء الاصطناعي نماذج لغوية كبيرة (LLMs) لتوليد أفكار بحثية. يتم تقييم هذه الأفكار باستخدام أدوات مثل Semantic Scholar لاختيار أفضلها بناءً على الحداثة وعوامل أخرى. تنتقل الفكرة (الأفكار) الفائزة إلى المرحلة التالية.
في هذه المرحلة، يقترح نموذج لغوي آخر، مثل AIder، طريقة لتجربة الفكرة ويولد الكود البرمجي لاختبارها ويتم بعد ذلك تنفيذ هذا الكود تلقائياً للحصول على النتائج.
من المهم ملاحظة أن البشر يوفرون قالباً أو كوداً أساسياً لتوجيه LLM، مما يضمن بقائه متوافقاً مع نهجهم المقصود ولا ينحرف كثيراً عن الحل البرمجي الذي يتصورونه.
أخيراً، يتم التعامل مع عملية كتابة المقالة بواسطة LLM باستخدام قالب، مثل قالب مؤتمر NeurIPS. ونظراً لإمكانيات LLMs، فليس من المستغرب أن تتمكن من أداء هذه المهمة بدقة كبيرة.
نجح "عالم الذكاء الاصطناعي" بتوليد عدة أفكار بحثية جيدة وتنفيذها وكتابة مقالات علمية تحتوي القليل من الأخطاء، مما قد يدفع البعض للاعتقاد بإمكانية أتمتة عملية البحث العلمي بواسطة مثل هذه الأدوات.
لماذا لا يمكن أتمتة هذه العملية بالكامل؟
كما رأينا التدخل البشري مطلوب في عدة أماكن في The AI Scientist، لضمان ألاّ يخرج عن الحدود المرسومة له، سواء من حيث الكود الذي يولده، أو التكلفة أو بيانات التدريب التي يستخدمها، لذا يبقى التدخل البشري أساسي وجوهري في اتخاذ القرار ولو بدت العملية غير ذلك.
فالبحث العلمي عملية تحتاج تخصيص وإدارة الموارد، وهذه العملية لا يمكن أن يقوم The AI Scientist بها، حتى لو اقتصر عمله على تطوير الأفكار البرمجية، التي يمكن تنفيذها على الكمبيوتر، فتركه يجرب الأفكار التي يراها مناسبة سيكون مكلفاً اقتصادياً ويعتبر هدراً للموارد (تخيل كم من الملايين يكلف تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي الكبيرة). فلم يكن هناك يوماً نقصاً في الأفكار البحثية بل النقص في تأمين دعم مالي لتحقيقها.
ضع في اعتبارك أن الكثير من مشاريع البحث تُحاول الحصول على تمويل، ولكن القليل منها فقط يحصل عليه. وبالمثل، في حين أن القليل من مشاريع الشركات الناشئة تستطيع الحصول على تمويل، وقليل منها فقط ينجح.
فالأفكار وفيرة، وتكمن المشكلة في كلفة تنفيذها واختبارها، وإن كان The AI Scientist يسهل هذه العملية ويسرعها ويضيف إلى معرفة مستخدميه، لكنه لا يحل المشكلة الاساسية لأتمتة عملية إنشاء المعرفة.
ومع ذلك، تظل هذه الأدوات وهذه الاتمتة لعملية البحث العلمي ذات قيمة عالية لمساعدة الباحثين البشريين في تسريع عملهم واستكشاف أفكار جديدة.