آلة التفكير المستمر CTM:نحو شبكات عصبية اصطناعية أقرب لنظيرتها البيولوجية

بقلم:   تامر كرم           |  May 15, 2025

ctm

يعتمد الذكاء الاصطناعي التوليدي على تقنية الشبكات العصبية الاصطناعية، والتي كانت وراء الإنجازات الباهرة التي تحققت في السنوات الأخيرة. تحاول هذه الشبكات محاكاة عمل الخلايا العصبية البيولوجية، لكنها لا تمثل سوى تبسيط شديد لآلية عمل نظيرتها الطبيعية.

فالشبكات العصبية في الدماغ تقوم بالتنسيق فيما بينها أثناء معالجة المعلومات، وعملية التفكير تتطور تدريجياً وليست عملية فورية. هذا ما تحاول آلة التفكير المستمر محاكاته.

طرحت شركة ساكانا للذكاء الاصطناعي اليابانية (Sakana AI) هذا النوع الجديد من الشبكات العصبية الاصطناعية، آلة التفكير المستمر (CTM)، بهدف الاقتراب من محاكاة عمل الشبكات العصبية البيولوجية، مما قد يؤدي إلى ذكاء اصطناعي أكثر قدرة وكفاءة في معالجة المعلومات واتخاذ القرارات.

كيف يعمل CTM؟

يستخدم نموذج آلة التفكير المستمر (CTM) تزامن نشاط الخلايا العصبية كآلية تفكير أساسية. يعتمد هذا النموذج على إجراء عدة خطوات تفكيرية قبل إعطاء الإجابة، حيث يتم خلال هذه الخطوات استخدام البعد الزمني الخاص بكل خلية عصبية والتزامن بين هذه الخلايا العصبية. فكل خطوة تعتمد على الخطوات السابقة، ويلعب تزامن نشاط الخلايا دوراً أساسياً في توجيه الانتباه إلى المعلومات الأكثر أهمية في البيانات. ويوصف النموذج بأنه "مستمر" لأنه يقوم بعملية التفكير الداخلية بشكل تكراري، سواء كانت البيانات متسلسلة (كنصوص) أو ثابتة (كالصور).

يمكن لنموذج آلة التفكير المستمر (CTM) الاستفادة من أي بنية شبكة عصبية أساسية (مثل الشبكات العصبية التلافيفية CNN أو المحولات Transformers) للتعامل مع مجموعة واسعة من المهام. في كل خطوة زمنية داخلية، يقوم النموذج بمعالجة المعلومات عن طريق تنشيط الخلايا العصبية. لكن خرج هذه الخلايا العصبية يختلف جوهرياً عن الشبكات العصبية التقليدية؛ فبدلاً من أن يكون مجرد نتيجة لعملية حسابية فورية على الدخل الحالي، يعتمد خرج كل خلية عصبية على كل من الدخل الحالي و تاريخ نشاطها السابق ضمن هذا التسلسل الزمني الداخلي. وقد أظهرت التجارب أن الاحتفاظ بسجل يتراوح بين 10 إلى 100 خطوة زمنية سابقة لكل خلية عصبية يحقق توازناً جيداً بين الأداء والكفاءة الحسابية.

بعد تنشيط الخلايا العصبية، تأتي مرحلة المزامنة العصبية، حيث يتم حساب العلاقات بينها لتحديد مدى ارتباط أنماط نشاطها. ثم تُستخدم هذه العلاقات المحسوبة لتوجيه آلية الانتباه، والتي تحدد بشكل انتقائي مجموعات الخلايا العصبية الأكثر أهمية لتمثيل المعلومات وحل المهمة الحالية. لا تتوقف العملية عند هذا الحد؛ فخرج آلية الانتباه يصبح جزءا من الدخل في الخطوة الزمنية الداخلية التالية، وتتكرر العملية بأكملها عدة مرات. يتيح هذا التكرار المتتالي للنموذج تحسين تمثيله تدريجيا والوصول إلى حل أفضل.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه التجارب تهدف إلى استكشاف القدرات والخصائص الناشئة عن مبادئ تصميم CTM الأساسية: المعالجة الزمنية على مستوى الخلايا العصبية، واستخدام التزامن العصبي كتمثيل مباشر. ولا يدعي النموذج تفوقه على النماذج المعروفة في حل هذه المهام، ولكن طريقة حل CTM لها جديرة بالملاحظة والدراسة، وهو ما يحفز على مواصلة تطويره.

حل المتاهة

في هذه المهمة، تُعرض على نموذج CTM متاهة ثنائية الأبعاد، ويُطلب منه إنتاج سلسلة الخطوات اللازمة لحلها. بدلاً من مجرد إنشاء تمثيل مرئي للمسار، تسمح "خطوات التفكير" الداخلية المتتالية لـ CTM بوضع خطة مفصلة، ويمكننا تتبع أجزاء المتاهة التي يركز عليها النموذج في كل خطوة تفكير. ومن المثير للاهتمام أن CTM يتعلم استراتيجية مشابهة لكيفية حل البشر للمتاهات - ويمكننا ملاحظته وهو يتبع المسار عبر المتاهة من خلال أنماط الانتباه الخاصة به.

التعرف على الصور

تتخذ أنظمة التعرف على الصور التقليدية قرارات التصنيف في خطوة واحدة، بينما يعتمد نموذج CTM على خطوات متعددة لفحص أجزاء مختلفة من الصورة قبل اتخاذ القرار النهائي. لا يعزز هذا النهج التدريجي قابلية تفسير سلوك الذكاء الاصطناعي فحسب، بل يحسن دقته أيضاً: فكلما زاد الوقت الذي "يفكر" فيه النموذج، تحسنت دقة نتائجه. وقد لوحظ أيضا أن هذا يسمح لـ CTM بتقليل وقت المعالجة للصور الأبسط، مما يؤدي إلى توفير الطاقة. على سبيل المثال، عند التعرف على صورة غوريلا، ينتقل انتباه CTM من العينين إلى الأنف ثم إلى الفم، في نمط يطابق بشكل ملحوظ الانتباه البصري البشري.

توفر أنماط الانتباه هذه رؤية واضحة لعملية التفكير الداخلية للنموذج، مما يكشف عن السمات الأكثر أهمية التي يعتمد عليها في التصنيف. وتكتسب هذه القدرة على التفسير أهمية بالغة ليس فقط لفهم قرارات النموذج، بل أيضا لتحديد التحيزات أو أنماط الإخفاق المحتملة ومعالجتها بفعالية.

وهكذا، يعمل نموذج CTM من خلال السماح للخلايا العصبية بمعالجة المعلومات عبر الزمن، وتحديد العلاقات بينها من خلال المزامنة، واستخدام آلية الانتباه للتركيز على المعلومات الأكثر صلة. يهدف هذا التصميم إلى محاكاة جوانب من طريقة معالجة الأدمغة البيولوجية للمعلومات، مما قد يمهد الطريق لنماذج ذكاء اصطناعي أكثر قوة ومرونة في التعامل مع المهام المعقدة.



مشاركة