لا يقتصر سباق السيارات الكهربائية على البطاريات الأكثر سعة والأسرع شحناً فحسب، بل يمتد ليشمل المحرك الكهربائي. وتعمل شركة BYD، بوصفها أكبر منتجي السيارات الكهربائية، على المسارين معاً. وقد كشفت الوثائق التي نُشرت مؤخراً عن تسجيل الشركة سلسلةً من براءات الاختراع الجديدة تتعلق بتطوير محركات ذات مغناطيس دائم متغير التدفق (Variable-Flux PMSM)؛ وهي تقنية واعدة لزيادة كفاءة المحركات الحالية وتقليل استهلاك الطاقة عند السرعات العالية.
لفهم أهمية هذا الابتكار، يجب أولاً النظر إلى المشكلة التي تواجهها المحركات الكهربائية التقليدية المستخدمة حالياً، ومعظمها من نوع محركات المغناطيس الدائم التي تتميز بكفاءتها العالية وعزمها القوي. إلا أن مشكلتها الرئيسية تكمن في أن مجالها المغناطيسي ثابت لا يتغير؛ ويُعد هذا الثبات ميزة عند الانطلاق أو صعود التلال حيث تحتاج السيارة إلى عزم دوران كبير، ولكنه يتحول إلى عبء ثقيل عند القيادة بسرعات عالية على الطرق السريعة. فعندما يدور المحرك بسرعة كبيرة، يولد المغناطيس الدائم قوة معاكسة تُعرف بـ "القوة الدافعة الكهربائية العكسية" (Back-EMF)، تقاوم دوران المحرك وتجبر نظام التحكم على ضخ تيار كهربائي إضافي للتغلب على هذه المقاومة فقط، ما يؤدي إلى إهدار الطاقة وارتفاع حرارة المحرك واستنزاف البطارية بسرعة أكبر.
وهنا يأتي دور الابتكار الذي قدمته BYD في براءات اختراعها الجديدة، والذي يقترح تصميماً جديداً لدوار المحرك (Rotor) يمتلك القدرة على تغيير شدة التدفق المغناطيسي ديناميكياً حسب الحاجة، بدلاً من أن يظل ثابتاً طوال الوقت. وتعتمد الفكرة الهندسية على دمج آليات ميكانيكية أو كهرومغناطيسية دقيقة داخل قلب المحرك تسمح بالتحكم في كمية التدفق المغناطيسي؛ إذ تشير التفاصيل التقنية في البراءات (مثل البراءة رقم CN121055630A) إلى استخدام مجموعات ضبط محورية وأجزاء متحركة موصلة للمغناطيسية يمكنها تعديل مسار خطوط المجال المغناطيسي أو تغيير تموضع الأقطاب المغناطيسية بالنسبة للملفات الثابتة.
تعمل هذه التقنية بذكاء يتكيف مع ظروف القيادة المختلفة؛ ففي الحالات التي تتطلب قوة سحب كبيرة، مثل التسارع من السكون أو التجاوز، يضبط النظام الدوار ليكون في وضعية "التدفق الكامل"، ما يوفر أقصى عزم دوران ممكن وتسارعاً فورياً. ولكن بمجرد وصول السيارة إلى سرعات عالية ومستقرة، يغير النظام تلقائياً هندسة الدوار لتقليل التدفق المغناطيسي. يقلل هذا الإجراء بشكل كبير من القوة المعاكسة والمقاومة الداخلية للمحرك، مما يسمح للسيارة بالحفاظ على سرعتها العالية باستهلاك منخفض جداً للطاقة ودون توليد حرارة زائدة، وهو ما يعني عملياً زيادة المدى الذي تقطعه السيارة في الشحنة الواحدة بشكل ملحوظ دون الحاجة لتكبير حجم البطارية.
يحمل هذا التطور دلالات عميقة لصناعة السيارات الكهربائية؛ فهو يعني الانتقال من مرحلة الاعتماد الكلي على كيمياء البطاريات لزيادة المدى، إلى مرحلة تحسين كفاءة استهلاك الطاقة من المصدر. فبدلاً من إضافة وزن وتكلفة بزيادة حجم البطاريات، يمكن لشركات السيارات استخدام هذه المحركات الذكية لتحقيق المدى نفسه ببطاريات أصغر وأخف وزناً وأقل تكلفة.
كما أن نجاح BYD في تطبيق هذه التقنية تجارياً سيمنحها ميزة تنافسية هائلة؛ حيث ستمتلك سياراتها قدرة فريدة على الجمع بين الأداء الرياضي القوي والكفاءة الاقتصادية العالية في آن واحد. وهي معادلة لطالما كانت صعبة التحقيق في المحركات التقليدية ذات التدفق الثابت، ما يرسخ مكانة الشركة لا كمُصنّع للسيارات فحسب، بل كرائد عالمي في تقنيات المحركات الكهربائية.