أوبتيموس: كيف تَطور روبوت تسلا البشري

بقلم:   د. حسام حمدان           |  March 5, 2024

optimus_elon

كل تطور تكنولوجي يبدأ تصوره في الخيال؛ الفنان يجسده في أفلام الخيال العلمي والمخترع يسعى ليراه يتحقق على أرض الواقع. هل تتذكر فيلم "أنا روبوت"؟ لقد صور الروبوتات البشرية على أنهم مساعدين رائعين، تساعد البشر بسلاسة في كل المهام. انسَ مسألة تمرد الروبوتات- أليس من الرائع أن يكون لديك رفيق آلي ودود ورشيق؟ تخيل أنه يعتني بالأعمال المنزلية المملة ويحجز المواعيد، ويرافقك في النزهات!

إذا أمكن صناعة روبوت بهذه المواصفات ما الذي سيمنع أي شخص من عدم امتلاكه؛ ولهذا يبدو إيلون ماسك شديد الثقة أن سوق الروبوتات لتسلا ستكون أكبر من سوق السيارات وسيبيع منها المليارات.

تطور روبوت أوبتيموس

أعلن ماسك في يوم الذكاء الاصطناعي لشركة تسلا لعام 2021 عن خطته لتطوير روبوت بشري، وقد جلب على المسرح راقص متنكر بزي روبوت راح يرقص في إشارة واضحة أن هدفه بناء روبوت عملي رشيق يمكن له القيام بأي شيء يقوم به البشر حتى الرقص.

وفي العام التالي، في يوم الذكاء الاصطناعي لتسلا لعام 2022 ،جلب على خشبة المسرح ليس روبوتاً واحداً بل اثنين؛ الأول دخل سيراً على الأقدام وقام ببعض الحركات البسيطة ثم تم عرض فيديو له يقوم بمهام بسيطة كالتقاط الأشياء وحملها وسقاية النباتات.

optimus_2022

لكن لم يكن هذا الروبوت هو الروبوت المنشود بل كان روبوت اختبار؛ أما أوبتيموس -روبوت تسلا الأساسي- فلم يكن يستطيع المشي فدخل المسرح محمولاً على أيدي موظفي تسلا؛ واستطاع أن يلوح للجمهور معطيا انطباعا بأنه مسالم فهو غير قادر حتى على المشي. وشعر ماسك بالحاجة لطمأنة الجمهور من خطر الروبوتات -وهو المعروف بتحذيره من مخاطر الذكاء الاصطناعي- فأكد أن سيناريو الترمينتور (Terminator) لا يمكن أن يحدث فالروبوت مصمم بحيث يتمكن البشر من التغلب عليه و إيقافه مباشرة إذا حدث أي خلل.

وبعد ذلك، في اجتماع مساهمي شركة تسلا في مايو 2023، قدم ماسك مقطع فيديو يعرض التقدم الذي أحرزه الروبوت. ويبدو أنه أصبح قادر على المشي البطيء وأداء المهام الأساسية. بحلول سبتمبر 2023، أعلنت تسلا أنها بدأت في تدريب الروبوت باستخدام التعلم العميق. مما يتيح للروبوت تعلم مهام جديدة من خلال مراقبة مقاطع فيديو للأشخاص الذين يقومون بها.

شهد ديسمبر 2023 قفزة كبيرة في تطوير أوبتيموس مع الكشف عن أوبتيموس Gen2. يتميز هذا الإصدار الثاني بتصميم محسن يبدو أكثر أناقة ورشاقة. ومن الجدير بالذكر أن شركة تسلا تقوم الآن بتصنيع جميع محركاته وأجزائه، مما يجعل أوبتيموس منتج داخلي بالكامل.

بالمقارنة مع سلفه فإن Gen2 أسرع بنسبة 30% تقريباً وأخف وزناً بمقدار 10 كجم، مع قدرات توازن محسنة. وأظهر الفيديو قدراته الجديدة، بما في ذلك ممارسة رياضة الإسكواش وأداء حركات الرقص. كما أن تطوير اليد والأصابع شهد تقدماً كبيراً، مما سمح لأوبتيموس بإمساك البيض وفقسه - وهو إنجاز يتطلب تنسيق بين القوة والدقة.

ثم في يناير 2024 ظهر الروبوت الجديد يقوم بطي قطعة ملابس وقد أقر ماسك أنه يقوم بهذه المهمة ضمن شروط محددة مثل ارتفاع الطاولة وغيرها لكنها تؤكد قدرة الروبوت على استخدام يديه وأصابعه لإنجاز مهام دقيقة.

سهل القول صعب الفعل

تم استخدام الروبوتات في خطوط الإنتاج منذ فترة طويلة، حيث تتم برمجتها للقيام بمهام محددة. وهذا النهج ممكن من الناحية التقنية وفعال من حيث التكلفة. ولكن الروبوتات البشرية تواجه تحديات تقنية كبيرة لتحقيق مستوى البراعة اللازم للتعاون بفعالية مع البشر في المنزل وفي العمل.

فليس من الصعب أن تجعل الروبوت يصنع القهوة وتصوره وتنشر فيديو تمتدح قدراته لكن لو غيرنا آلة القهوة وشكل وحجم الفناجين ربما لن يستطيع أن يعيد العملية بنجاح. فهذا يحتاج لنماذج ذكاء اصطناعي متطورة قادرة على فهم أي بيئة والتكيف معها لأداء المهام المختلفة.

إيلون ماسك قال أن تسلا هي أكبر شركة روبوتات في العالم فسيارت تسلا هي روبوتات تسير على عجلات والذكاء الاصطناعي المستخدم في القيادة الذاتية لفهم البيئة هو نفسه الذي يستخدمه روبوت أوبتيموس.

لكن بناء روبوت مستقل أكثر صعوبة بكثير من نظام القيادة الذاتية. فعلى عكس السيارة التي تعمل في بيئة معروفة ومحددة مسبقاً، يحتاج الروبوت إلى التكيف مع بيئات مختلفة. فقد يحتاج إلى صعود السلالم، والتنقل بين المطابخ ذات التصميمات المختلفة، والمشي في بيئات متنوعة مثل الأرصفة ومراكز التسوق.

وتوقع ماسك أن يبدأ إنتاج أوبتيموس قبل عام 2027، لكن العديد من الخبراء شككوا في هذا الجدول الزمني الطموح. إذ تثير التحديات المستمرة التي تواجهها شركة تسلا في تقديم نظام القيادة الذاتية الكامل -الذي وعدت به سابقاً بحلول نهاية عام 2023- مخاوف بشأن إمكانية صناعة نظام ذكاء اصطناعي للروبوت قادر على تشغيله بشكل مستقل.

لكن رغم التعقيد الأكبر للذكاء الاصطناعي للروبوت مقارنة بأنظمة القيادة الذاتية، إلا أن هناك إمكانية للاستخدام المبكر له. فعلى عكس السيارات ذاتية القيادة التي تتطلب اجتياز اختبارات سلامة صارمة قبل استخدامها؛ فمن المحتمل استخدام أوبتيموس في المنازل حتى قبل الوصول إلى مرحلة النضج الكامل. وقد يساعده المتحمسون لتجربته في التعرف على بيئاتهم وحتى المساهمة في تدريبه من خلال أدوات برمجية سهلة الاستخدام. يشبه هذا ما تفعله شركة شاومي إذ تقدم برمجيات سهلة لتعليم روبوت CyberDog 2 القيام بحركات يرغب بها المستخدمون.

مستقبل واعد

لا شك أن التطور السريع في تطوير أوبتيموس ورؤية إيلون ماسك لمستقبل الروبوتات البشرية أدى إلى زيادة الاهتمام باستخدامها و بالاستثمار بها.

ويتجلى هذا بوضوح في شركات السيارات مثل شركتي Nio وBMW اللتين بدأتا في اختبار الروبوتات البشرية في مصانعهما. علاوة على ذلك، شهدت شركات الروبوتات مثل Figure ارتفاعاً في قيمتها السوقية بعد تأمين استثمارات من مايكروسوفت، وجيف بيزوس، وإنفيديا. كما اتخذت شركة Figure خطوات أكثر جدية وبدأت بالتعاون مع OpenAI لتطوير ذكاء اصطناعي لتشغيل ربوتاتها.

يبشر هذا بثورة محتملة في مجال الروبوتات البشرية، ثورة قد تفاجئنا بشكل كبير مثل ما فاجأنا التطور السريع لنماذج الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT، وMidjourney، وRunWay Gen2، وGemini. فقد ازدهرت قدراتهم بسرعة وكفاءة مذهلة خلال فترة زمنية قصيرة.



مشاركة