شمس في قلب مفاعل: ما هو مفاعل الاندماج النووي؟

بقلم:   تامر كرم           |  Dec. 28, 2025

nuclearfusion

الاندماج النووي هو العملية الأساسية التي تحدث في قلب الشمس، وهي المسؤولة عن توليد تلك الطاقة الهائلة التي تمد مجموعتنا الشمسية بالحياة والدفء.

تحدث هذه العملية نتيجة اندماج نوى ذرات نظائر الهيدروجين معاً لتشكيل نواة ذرة الهيليوم الأثقل. يُطلق نتيجة هذا الاندماج قدرٌ عظيم من الطاقة ومجموعة من الجسيمات كالنيوترونات؛ ويعود سبب هذا الانطلاق الهائل للطاقة إلى أن كتلة النواة الجديدة الناتجة تكون أقل بقليل من مجموع كتل النوى التي اندمجت، وهذا النقص في الكتلة يتحول مباشرة إلى طاقة حرارية وإشعاعية هائلة وفقاً لمعادلة أينشتاين الشهيرة لتكافؤ الكتلة والطاقة (E=mc2).

يحاول الباحثون والمهندسون منذ عقود إعادة إنتاج طاقة الاندماج الهائلة هذه لاستخدامها في توليد الكهرباء على الأرض بشكل تجاري ونظيف. يُطلق على التكنولوجيا المستخدمة لهذا الغرض اسم مفاعلات الاندماج النووي. وهي تختلف جذرياً عن المفاعلات الانشطارية التقليدية الحالية التي تعمل على شطر نوى الذرات الثقيلة (كاليورانيوم) وتنتج نفايات مشعة طويلة الأمد؛ إذ تعمل مفاعلات الاندماج على دمج نوى الذرات الخفيفة بدلاً من شطرها، مما يجعلها أكثر أماناً وأنظف بيئياً، حيث لا تنتج غازات دفيئة وتعتمد على وقود متوفر بكثرة في مياه البحار والقشرة الأرضية.

عملية الاندماج النووي

في عملية الاندماج النووي، يُجبر العلماء نظائر الهيدروجين، وتحديداً الديوتيريوم والتريتيوم، على الالتحام معاً. ولإتمام هذا التفاعل بنجاح، يتطلب الأمر توفير شروط قاسية جداً تحاكي وتفوق الظروف الموجودة في قلب الشمس؛ حيث يجب تسخين الوقود إلى درجات حرارة تتجاوز 150 مليون درجة مئوية ليتحول إلى حالة البلازما، وهي الحالة الرابعة للمادة التي تنفصل فيها الإلكترونات عن النوى. كما يحتاج الأمر إلى ضغط هائل وكثافة عالية لتقريب النوى من بعضها البعض والتغلب على قوى التنافر الكهربائية بينها، مع ضرورة الحفاظ على هذه الحالة لفترة زمنية كافية لحدوث الاندماج.

مفاعلات الاندماج النووي

أما مفاعلات الاندماج النووي، فهي الآلات الهندسية المعقدة التي صُممت لاحتواء هذه العملية ودمج النوى وحصر تلك البلازما الحارقة. تحتاج هذه المفاعلات إلى أنظمة حصر مغناطيسية فائقة القوة؛ لأن أي مادة صلبة ستنصهر فور ملامستها للبلازما.

ولتحقيق ذلك، يعتمد العلماء بشكل رئيسي على تصميم التوكاماك (Tokamak)، وهو جهاز ذو غرفة مفرغة على شكل حلقة (شكل الدونات) يستخدم مجالات مغناطيسية هائلة القوة لإحاطة البلازما وتعليقها في الفراغ دون أن تلامس الجدران. ويعمل العالم حالياً بتكاتف دولي غير مسبوق على بناء وتطوير هذه المفاعلات للوصول إلى مرحلة الإنتاج الفعلي للطاقة.

هناك العديد من النماذج التي ما زالت في الطور التجريبي، ومن أشهرها مفاعل "إيتر" (ITER) في جنوب فرنسا، وهو مشروع عالمي عملاق تشارك فيه 35 دولة (بما فيها الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، والاتحاد الأوروبي) ويهدف لإثبات جدوى الاندماج علمياً وتقنياً.

كذلك يوجد المفاعل الصيني "إيست" (EAST) الذي حقق أرقاماً قياسية في الحفاظ على البلازما لفترات طويلة ويُلقب بـ "الشمس الصناعية الصينية"، بالإضافة إلى مشروع "ويست" (WEST) الفرنسي (وهو تطوير لمفاعل تور سوبرا) الذي يركز على اختبار مكونات التنجستن لتحمل الحرارة العالية ودعم مشروع إيتر. وتعتمد كل المشاريع المذكورة تقنية "التوكاماك" التي تعتبر الأكثر نضجاً تقنياً حتى الآن.

وبجانب الحصر المغناطيسي في التوكاماك، توجد تصميمات أخرى تحاول الوصول لنفس الهدف بطرق مختلفة، مثل تلك التي تعتمد على "الحصر بالقصور الذاتي" باستخدام الليزر العملاق. وأشهر مثال عليها هو "منشأة الإشعال الوطنية" (NIF) في الولايات المتحدة، حيث يتم تسليط مئات من أشعة الليزر عالية الطاقة في وقت واحد على كبسولة صغيرة جداً من الوقود لضغطها وتسخينها في جزء من المليار من الثانية.

ورغم أن كلا التصميمين (المغناطيسي والليزي) قد تم اختبارهما وحققا نجاحات متفاوتة، إلا أن الأول (التوكاماك) يبقى هو الأكثر نضجاً والمرشح الأكبر للنجاح في التطبيقات العملية.



مشاركة