في العصور الوسطى، كان تحويل المعادن الرخيصة مثل الرصاص إلى ذهب هو الحلم الأكبر للكيميائيين، الذين سعوا لاكتشاف ما يُعرف بـ"حجر الفلاسفة"، تلك المادة الأسطورية القادرة على تحقيق هذا التحول. واليوم، يبدو أن منظمة سيرن (CERN) قد حققت هذا الحلم على نحوٍ ما، مستعينةً بأحدث تقنيات فيزياء الجسيمات!
يُحدد نوع أي عنصر كيميائي بعدد البروتونات في نواته. فمثلاً، يحتوي الرصاص على 82 بروتوناً، بينما يحتوي الذهب على 79 بروتوناً فقط. لذلك، من الناحية النظرية، يمكن تحويل الرصاص إلى ذهب بإزالة 3 بروتونات من نواته. وهذا بالضبط ما تم تحقيقه باستخدام مصادم الهادرونات الكبير (LHC) التابع لسيرن.
كيف يحدث هذا التحويل؟
هذا التحول يحدث دون تلامس مباشر بين نوى الذرات! فحين تتحرك نوى ذرات الرصاص بسرعات تقارب سرعة الضوء داخل المصادم، فإنها تولد حقولاً مغناطيسية هائلة القوة. هذه الحقول تُحفز تفاعلات نادرة بين الفوتونات والنواة، تُعرف بـالتفاعلات الضوئية-النووية (Photon-Photon & Photon-Nucleus).
نتيجة لهذه التفاعلات، قد تتعرض نواة الرصاص لظاهرة تسمى "التفكك الكهرومغناطيسي"، حيث تُطرد بعض البروتونات والنيوترونات منها. وإذا فقدت النواة 3 بروتونات، تتحول إلى ذهب! لكن المشكلة هي أن هذه العملية عشوائية تماماً، فقد تفقد النواة صفراً أو واحداً أو اثنين أو ثلاثة بروتونات، مما قد ينتج عنه عناصر أخرى مثل الثاليوم أو الزئبق، وليس الذهب دائماً.
كما أن كمية الذهب المُنتَجة ضئيلة جداً (حوالي 89 ألف نواة ذهبية في الثانية)، كما أن هذه النوى تظل موجودة لجزء من الثانية فقط قبل أن تتفكك وتتحول إلى جسيمات أخرى. بالإضافة إلى ذلك، فإن تكلفة إنتاج الذهب بهذه الطريقة باهظة جداً مقارنة بالطرق التقليدية.
وهكذا، رغم أن سيرن قد حقق حلم الكيميائيين القدامى نظرياً، إلا أن تحويل الرصاص إلى ذهب لا يزال غير عملي من الناحية الاقتصادية. لكن الأهم من ذلك هو الفهم العميق الذي توفره هذه التجارب حول طبيعة المادة والتفاعلات النووية، مما قد يقودنا إلى اكتشافات ثورية في المستقبل!
نشرت نتائج الدراسة في مجلة فيزيكال ريفو سي في مايو 2025.