قرد داروين: الصين تُطلق حاسوباً شبيهاً بالدماغ مزوداً بملياري خلية عصبية اصطناعية

بقلم:   تامر كرم           |  Aug. 4, 2025

darwin-monkey

أطلق باحثون من جامعة تشجيانغ الصينية أول حاسوب فائق يُحاكي الدماغ البشري، ويحمل اسم قرد داروين، ويُعد إنجازاً بارزاً في مجال الذكاء الاصطناعي المستوحى من الدماغ. يتكون هذا النظام العصبي الاصطناعي من ملياري خلية عصبية، ويُحاكي بذلك دماغ قرد المكاك من حيث عدد الخلايا العصبية.

طوّر الفريق الإصدار الثالث من شريحة Darwin-3، وهي شريحة تحتوي على نحو 5.35 مليون خلية عصبية نابضة ترتبط فيما بينها بمئات الملايين من المشابك العصبية، مما يجعل بنيتها أقرب إلى بنية الدماغ البيولوجي. وتتميز هذه الشريحة بتعليمات مخصصة تُتيح تشغيلها بطريقة مستوحاة من آلية عمل الدماغ.

يتألف حاسوب قرد داروين من 960 شريحة من نوع Darwin-3، تم تركيبها داخل 15 خادماً عصبياً متصلاً، لتُشكل شبكة ضخمة تحتوي على أكثر من ملياري خلية عصبية نابضة، وأكثر من 100 مليار مشبك عصبي.

يعمل هذا الحاسوب بطريقة تُشبه العقل البشري، إذ يُعالج المعلومات من خلال إرسال إشارات نابضة (Spikes) بدلًا من القيم المستمرة المستخدمة في الحواسيب التقليدية. تُحاكي هذه الإشارات طريقة عمل الخلايا العصبية البيولوجية، حيث تُطلق الخلية العصبية نبضة كهربائية فقط عند تجاوز حد معين من الإثارة، مما يُسهم في تقليل استهلاك الطاقة وتحقيق كفاءة أعلى في المعالجة.

تمر كل نبضة عبر المشابك الاصطناعية نحو خلايا عصبية أخرى، وتُسهم في تكوين أنماط معرفية تُخزن داخلياً عبر تغيّرات في قوة الاتصال بين الخلايا (الوزن المشبكي). يتم هذا التعلم محلياً داخل الشريحة نفسها، بطريقة تُشبه آلية تقوية أو إضعاف الاتصال العصبي في الدماغ، بناءً على التكرار والتوقيت.

وبالتالي، لا يُعد هذا الحاسوب مجرد جهاز منطقي تقليدي، بل يتصرف كما لو كان "دماغاً إلكترونياَ" ينبض ويتعلم ويتذكر، مستفيداً من بنية حيوية مستوحاة من الدماغ الطبيعي.

تم اختبار قرد داروين باستخدام نموذج ذكاء اصطناعي كبير مُصمم خصيصاً له ويُشبه الدماغ، طورته شركة DeepSeek الصينية، وقد أثبت قدرته على أداء مهام متقدمة مثل توليد المحتوى، التفكير المنطقي، وحل المعادلات الرياضية. كما يتمتع النظام بإمكانية محاكاة أدمغة حيوانات مختلفة مثل الفئران، سمك الزرد، والمكاك، مما يفتح آفاقاً واسعة لأبحاث علوم الدماغ.

ويعُد قرد داروين تطوراً ملحوظاً مقارنة بنظام هالا بوينت الذي أعلنته شركة Intel في عام 2024، والمزود بـ1.15 مليار خلية عصبية فقط. ومع استهلاك طاقة يبلغ نحو 2000 واط، يُظهر حاسوب قرد داروين كفاءة معالجة عالية رغم تعقيد بنيته العصبية.

هذا الابتكار لا يُمثل مجرد خطوة في تطور الذكاء الاصطناعي، بل يُمكن أن يُستخدم كمنصة لمحاكاة الدماغ البشري، مما يُساعد الباحثين على فهم آليات الدماغ بشكل أدق، ويُقلل الحاجة إلى إجراء تجارب بيولوجية مباشرة.



مشاركة