تمكّن فريق بحثي في معهد العلوم الفيزيائية بهفي التابع للأكاديمية الصينية للعلوم من تطوير بلورة اصطناعية هي الأكبر من نوعها، تُستخدم لإرسال الليزر لمسافات بعيدة. هذه البلورة، المعروفة باسم سيلينيد الباريوم والغاليوم (BaGa₄Se₇) أو BGSe، تمثل قفزة نوعية في مجال تكنولوجيا الليزر.
تقوم بلورة BGSe بتحويل تردد ليزر الأشعة تحت الحمراء قصيرة المدى إلى أشعة متوسطة وطويلة المدى. هذه الخاصية تُمكّن أشعة الليزر من اختراق الغلاف الجوي بكفاءة عالية دون فقدان كبير للطاقة، مما يجعلها مثالية لإرسال الأشعة الليزرية إلى مسافات بعيدة جداً، بما في ذلك الأقمار الصناعية في المدار الأرضي أو المدارات الأعلى.
يُساهم هذا التحويل في تقليل التردد وزيادة الطول الموجي، مما يؤدي إلى تقليل الطاقة الحرارية للفوتون الواحد. ولكن الشعاع الليزري يصبح أكثر ثباتاً وأقل تشتتاً، مما يتيح له الوصول إلى أهداف بعيدة جداً بفعالية دون الحاجة إلى طاقة تعويضية هائلة. هذه الميزة تجعل البلورة مثالية سواء لأغراض الاتصال الفضائي أو الاستهداف والتدمير المحتمل للأقمار الصناعية.
تتميز البلورة الصينية عن نظيراتها الغربية السابقة بـحجمها القياسي الكبير وقدرتها الفائقة على تحمل طاقة الليزر العالية. بلغ قطر البلورة الخام المحضّرة 60 ميليمتراً، وهو أكبر حجم مسجل عالمياً لهذا النوع من البلورات. هذا الحجم الكبير يسمح بتصنيع مكونات بصرية بأبعاد واسعة يمكن دمجها عملياً في أنظمة الليزر المعقدة.
أما من حيث التحمل، فإن هذه البلورة قادرة على تحمل كثافة طاقية تصل إلى 550 ميغاواط لكل سنتيمتر مربع. هذه القدرة تفوق بعشر مرات قدرة تحمل معظم المواد العسكرية المتاحة حالياً، بما في ذلك الزجاج غير الخطي التقليدي أو البلورات المستخدمة في أنظمة الأسلحة عالية الطاقة.
عملية التصنيع الدقيقة
تم دمج البلورة ضمن جهاز محول تردد ليزري بأبعاد 10×10×50 مم، وهو جهاز يُستخدم لتحويل شعاع ليزر واحد إلى شعاعين بطولين موجيين مختلفين.
تعتبر عملية التصنيع هي العامل الحاسم في نجاح هذه البلورة. استخدم الفريق فرناً حرارياً مزدوج المنطقة تصل حرارته إلى 1020 درجة، واستغرق تطوير المادة البلورية أكثر من شهر من التبريد التدريجي البطيء. كان معدل التبريد لا يزيد عن خمس درجات مئوية في الساعة، وذلك لتجنب التشققات والعيوب الداخلية. كما تمت المعالجة النهائية للأسطح بدقة فائقة باستخدام أدوات مثل مناشير الألماس ومعلقات أكسيد السيريوم، لضمان نقاء بصري فائق يسمح بمرور الشعاع دون أي تشتت داخلي.
تتضح أهمية هذا الإنجاز الصيني عند مقارنته بالمحاولات الأمريكية السابقة، مثل تجربة البحرية الأمريكية في عام 1997، حيث تم اختبار استخدام الليزر لاستهداف الأقمار الصناعية. لكن المواد المستخدمة لم تتحمل الطاقة العالية لليزر وتصدعت.
اليوم، تُعد بلورة BGSe الصينية مؤشراً قوياً على اقتراب العالم من عصر يمكن فيه استخدام الليزر الأرضي بفعالية، سواء لإرسال البيانات إلى المدار أو حتى لتعطيل الأقمار الصناعية.
نشرت الدراسة في مجلة علمية صينية مختصة.