سنتور: نموذج ذكاء اصطناعي يتنبأ بقرارات البشر

بقلم:   تامر كرم           |  July 6, 2025

centuare

يُعتبر التنبؤ بالقرارات البشرية من أصعب المهام، لما تنطوي عليه من تعقيد نفسي ومعرفي، وتداخل بين العوامل العاطفية والمنطقية والاجتماعية التي تؤثر في سلوك الإنسان.

وفي خطوة لتوسيع فهمنا لعملية الإدراك البشري، طوّر فريق من الباحثين في معهد هيلمهولتز للذكاء الاصطناعي المتمركز حول الإنسان في ميونيخ نموذجًا للذكاء الاصطناعي أطلقوا عليه اسم "سنتور" (Centaur). هذا النموذج لا يتنبأ فقط بالقرارات التي يتخذها البشر، بل أيضاً بسرعة اتخاذها، وبدقة مذهلة. وقد نُشرت تفاصيل هذا الإنجاز في مجلة Nature .

تدريب سنتور: كيف "يفكر" كالإنسان؟

يكمن سر نجاح "سنتور" في طريقة تدريبه المبتكرة. فعلى عكس النماذج التقليدية التي تركز على مهام محددة، بُني "سنتور" على نموذج اللغة الكبير مفتوح المصدر LLaMA 3 الذي طورته شركة ميتا. لكن الباحثين لم يكتفوا باستخدام النموذج كما هو، بل قاموا بتعديله وتدريبه بشكل مكثف على مجموعة بيانات ضخمة ومصممة خصيصاً لهذا الغرض، أطلقوا عليها اسم Psych-101.

تضم مجموعة البيانات Psych-101 نتائج 160 تجربة نفسية مختلفة، شارك فيها أكثر من 60 ألف شخص، وأسفرت عن أكثر من 10 ملايين قرار فردي. تتنوع هذه التجارب لتشمل نطاقًا واسعاً من السلوكيات البشرية، مثل المقامرة، وألعاب الذاكرة، وحل المشكلات.

تم تدريب "سنتور" على فهم هذه البيانات كما يفهمها البشر، من خلال لغة نصية واضحة تصف التجربة، متبوعة بالقرار الذي اتخذه الشخص، والزمن الذي استغرقه لاتخاذه، بالإضافة إلى معلومات عن المشارك مثل العمر، والجنس، والميول السلوكية، والحالة النفسية إن توفرت.

مثال من بيانات التدريب:

أمامك خياران:

1- الحصول على 10 دولارات بالتأكيد.

2- الدخول في سحب على يانصيب بنسبة 50% للفوز بـ25 دولارًا، ونسبة 50% لعدم الفوز بأي شيء.

بيانات المشارك (المخرجات المتوقعة):

القرار: الخيار 2

زمن الرد: 2.3 ثانية

معلومات عن المشارك: العمر، الميل للمخاطرة، الجنس، الخلفية الثقافية، الحالة النفسية، وغيرها.

من خلال تعريض "سنتور" لملايين من هذه الأمثلة، لم يتعلم فقط القرارات الأكثر شيوعاً، بل استوعب أيضاً الاستراتيجيات التي يتبعها البشر في مواجهة المخاطرة، والمفاضلة بين المكافآت، والتكيف مع السياقات المتغيرة.

التعميم: المفاجأة الكبرى

أكثر ما أثار دهشة الباحثين هو قدرة "سنتور" على التعميم. فبعد تدريبه، تم اختباره على مهام جديدة تماماً لم يتدرب عليها. والمفاجأة كانت أن "سنتور" لم يتنبأ بسلوك المشاركين البشريين بدقة فحسب، بل تفوق في 31 من أصل 32 مهمة على 14 نموذجاً معرفياً وإحصائياً آخر، كانت مصممة خصيصاً لتلك المهام.

هذا يعني أن "سنتور" لم يحفظ أنماطاً سلوكية فحسب، بل استخلص مبادئ أعمق حول كيفية اتخاذ القرار البشري، مما مكنه من تطبيقها في سياقات لم يُدرّب عليها. المهمة الوحيدة التي لم يتفوق فيها كانت تتعلق بالحكم على صحة الجمل من الناحية النحوية.

أداة ثورية في علم النفس والذكاء الاصطناعي

يمثل "سنتور" قفزة نوعية في أبحاث الذكاء الاصطناعي وعلم النفس. فهو يقدم للعلماء أداة غير مسبوقة، أشبه بـ "مختبر افتراضي" يمكن من خلاله محاكاة التجارب النفسية بسرعة وكفاءة، دون الحاجة إلى مشاركين بشريين في كل مرة.

وَيخطط الفريق لتوسيع قاعدة البيانات لتشمل معلومات ديموغرافية ونفسية أكثر، مما سيزيد من دقة النموذج وقدرته على محاكاة شرائح متنوعة من البشر، ويفتح الباب أمام فهم أعمق وأكثر دقة لإحدى أكثر الظواهر تعقيداً: القرارات البشرية.



مشاركة