استخراج الذهب من النفايات الإلكترونية بطريقة آمنة ومستدامة

بقلم:   جاد طرابيشي           |  July 9, 2025

processor-gold

على الرغم من ندرته وارتفاع ثمنه، لا يزال الذهب مكوناً أساسياً في صناعة الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر. تُعزى أهميته إلى خصائصه الفريدة التي يصعب إيجاد بديل لها؛ فهو موصل ممتاز للكهرباء لا يتأكسد ولا يتآكل بمرور الوقت، مما يجعله مثالياً للاستخدام في الشرائح الإلكترونية الدقيقة والمعالجات.

تحتوي الأجهزة الإلكترونية على كميات ضئيلة من الذهب، تتراوح في الهاتف الواحد بين 0.03 و 0.05 غرام. لكن بالنظر إلى مليارات الأجهزة التي تُصبح نفايات إلكترونية سنوياً، فإن الكمية الإجمالية للذهب المتاح للتدوير تصبح ضخمة وذات جدوى اقتصادية وبيئية كبيرة.

تعتمد الطرق التقليدية لاستخلاص الذهب من النفايات الإلكترونية على مواد كيميائية شديدة السمية، مثل السيانيد والزئبق. يُستخدم السيانيد لإذابة الذهب من الدوائر الإلكترونية، لكنه يلوث المياه الجوفية والتربة بشكل خطير، ويشكل تهديداً لصحة العاملين في هذا المجال. أما الزئبق، فيُستخدم لفصل الذهب عن المعادن الأخرى، لكنه مركب متطاير وسام يسبب أضراراً عصبية وجينية بالغة عند استنشاقه أو امتصاصه. هذه الأساليب، رغم فعاليتها، تُعتبر مدمرة للبيئة وغير مستدامة على المدى الطويل.

طريقة مبتكرة وصديقة للبيئة

لمواجهة هذه التحديات، طوّر فريق بحثي بقيادة البروفيسور جاستن إم. تشالكر (Justin M. Chalker) من جامعة فليندرز الأسترالية طريقة جديدة ومستدامة، نُشرت نتائجها في مجلة Nature Sustainability. تعتمد هذه الطريقة المبتكرة على مركبين رئيسيين:

  1. المذيب الآمن: يُستخدم مُذيب صديق للبيئة لاستخلاص المعادن من النفايات الإلكترونية. هذا المذيب، اسمه تريكلوروأيزوسيانوريك، يحل محل الأحماض القوية والسيانيد السام.
  2. بوليمر الكبريت: بعد إذابة المعادن، يُستخدم بوليمر خاص غني بالكبريت (مصنوع من الكبريت الصناعي الثانوي وزيت الكانولا) يعمل كإسفنجة لجذب أيونات الذهب على وجه التحديد وعزلها من المحلول الذي يحتوي على معادن أخرى.

بعد امتصاص الذهب، يمكن فصله بسهولة عن البوليمر، مع إمكانية إعادة استخدام البوليمر في عمليات استخلاص لاحقة، مما يجعل العملية فعالة من حيث التكلفة. أثبتت التجارب نجاح هذه الطريقة في استخلاص الذهب ليس فقط من لوحات الدوائر الإلكترونية القديمة، بل أيضاً من خامات التعدين التقليدية.

الأهمية والجدوى الاقتصادية

تكمن أهمية هذه التقنية في كونها آمنة بيئياً وقابلة للتطبيق على نطاق واسع، مما يقلل بشكل كبير من الاعتماد على المواد السامة. كما أنها تفتح الباب أمام "تعدين حضري" فعال ومستدام، يقلل من الحاجة إلى التعدين التقليدي المُدمّر للبيئة والمُستهلِك للموارد.

من الناحية الاقتصادية، وعلى الرغم من أن التقنيات الجديدة قد تكون أكثر تكلفة في مراحلها الأولية، إلا أن رخص المواد المستخدمة (الكبريت متوفر بكثرة كمنتج ثانوي صناعي) والفوائد البيئية والصحية طويلة الأمد تجعلها خياراً استراتيجياً واعداً، يتماشى مع التوجه العالمي نحو الاقتصاد الدائري والتقنيات الخضراء.



مشاركة