تمكن فريق بحثي من جامعة جيانغنان الصينية من استخدام تقنية التعديل الجيني الدقيقة "كريسبر" (CRISPR) لجعل فطر Fusarium venenatum مصدراً غنياً بالبروتين ومشابهاً للحوم. هذا الفطر ليس ضيفاً جديداً على المائدة البشرية، إذ استُخدم لعقود في إنتاج ما يُعرف بـ "البروتين الفطري"، إلا أن الباحثين تدخلوا في شفرته الوراثية لتغيير خصائصه البيولوجية، مستهدفين الجينات المسؤولة عن إنتاج البروتين وكفاءة استهلاك الطاقة، بهدف تحويله إلى مصدر غذائي يتفوق في كفاءته واستدامته وقربه من اللحوم الحيوانية.

وبعد إجراء التعديل في الحمض النووي (DNA)، قام الفريق بـزراعة السلالة المعدلة داخل مفاعلات حيوية لمقارنة أدائها بالسلالات التقليدية، وجاءت النتائج مبهرة؛ فقد نجحت السلالة الجديدة في زيادة إنتاج البروتين بنسبة كبيرة وبشكل أسرع بحوالي 88%، مع تحقيق كفاءة اقتصادية عالية تمثلت في استهلاك كمية أقل من الجلوكوز بنسبة 44% لكل كيلوغرام من المنتج النهائي.

هذا التحسن الجيني ينعكس إيجاباً وبشكل مباشر على البيئة، حيث قدرت الدراسة أن هذه العملية تخفض استهلاك الموارد والانبعاثات الضارة بنسبة تصل إلى 61% مقارنة بطرق إنتاج البروتين الحيواني التقليدية، كما أنها تتطلب مساحة أراضٍ أقل بنسبة 70% مقارنة بتلك اللازمة لتربية الدجاج، مما يمنح هذه التقنية ميزة استراتيجية كبرى في ظل محدودية الموارد والأراضي.

إضافة إلى ذلك، حسّن هذا التعديل المذاق والملمس؛ إذ أظهر الفطر المعدل خصائص حسية تشبه اللحم الحقيقي بشكل كبير، مع ميزة إضافية تتمثل في سهولة الهضم مقارنة بالنسخة الطبيعية غير المعدلة. ويرى الباحثون أن هذا المزج بين الفائدة الصحية والتجربة الحسية الممتعة سيجعل المنتج أكثر قبولاً وجاذبية للمستهلكين الباحثين عن بدائل نباتية مستدامة، لا سيما في الأسواق التي تشهد تحولاً متسارعاً وتنامياً في الطلب على مصادر البروتين البديلة.

تمثل هذه الدراسة خطوة تأسيسية نحو جيل جديد من "البروتينات الصناعية" التي تعتمد على الهندسة الوراثية لتقديم حلول صديقة للبيئة، قادرة على تخفيف الضغط الهائل على الأراضي الزراعية والموارد المائية وتوفير بديل عملي للحوم ذات التكلفة البيئية العالية.

وفي حين يؤكد الباحثون أن الطريق لا يزال يتطلب عملاً دؤوباً لتوسيع نطاق الإنتاج الصناعي وضمان معايير السلامة طويلة الأمد، إلا أن النتائج الأولية تضعنا أمام تحول جذري محتمل، قد يصبح فيه هذا الفطر المعدل جزءاً أساسياً لا غنى عنه في النظام الغذائي العالمي مستقبلاً.

نشرت الدراسة في مجلة Trends in Biotechnology.