المُسيَّرات المدنية في ضوء تكنولوجيا إنترنت الأشياء... تهديد جديد يتجاوز الفهم البشري

بقلم:   د.أنوار قورية           |  Dec. 9, 2024

IMG_20241207_232351

في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم في مجال التكنولوجيا الرقمية، يُعد التوسع الكبير في تكنولوجيا انترنت الأشياء (IoT) نقطة تحول جوهرية، هذه التكنولوجيا المتطورة والخطيرة في نفس الوقت (سلاح ذو حدين)، التي تروم وتهدف إلى ربط مليارات الأجهزة ببعضها البعض عبر الشبكة العنكبوتية او الأنظمة المعلوماتية الموازية، تمتلك إمكانيات هائلة لتغيير حياتنا نحو الأفضل، ومع ذلك، فإن الوجه المظلم لهذا التقدم يبرز عندما نربطه بتكنولوجيا الطائرات المُسيَّرة المدنية (الدرون) وقدراتها غير المقيدة.

1- تكنولوجيا انترنت الأشياء... ترابط وتواصل بأبعاد خفية

إن تكنولوجيا إنترنت الأشياء IoT تمكّن الأجهزة من تواصل وترابط خفي بلغة قد لا يستوعبها العقل البشري وهو ما ينتج عنه مجموع عمليات تبادل المعطيات والبيانات والعمل بشكل تلقائي عبر شبكات متقدمة تستخدم لغات وأكواد مشفرة، هذا الترابط المستمر بين الأجهزة يجعلها قادرة على تنفيذ أوامر معقدة دون الحاجة إلى تدخل بشري مباشر. ومع ذلك، فإن الطبيعة الغامضة للشفرات المستخدمة بين الأجهزة تجعل فكها أو تفسيرها شبه مستحيل في كثير من الأحيان، مما يفتح الباب أمام استغلال هذه الأنظمة وتوظيفها في عمليات ذات نوايا خبيثة، فلا شك بأن الترابط الايجابي بين الاجهزة قد يدفعنا لاستحضار بعض الامثلة كتواصل الثلاجة مع الهاتف الشخصي لتزويده بقائمة الطلبيات التي يجب اقتناءها، ساعتك الذكية تخبر هاتف جيرانك بضرورة تقليل درجة التكييف لأنها تؤثر على صحتك... أمثلة كثيرة يمكنني سردها لكنها لا تندرج ضمن موضوع المقال، يبقى فقط السؤال الجوهري هو ماذا سيفعل الإنسان وسط هذا الكم من الاتصالات بين جميع الاجهزة المحيطة به وحتى البعيدة عن نظره ؟

وبالعودة للحديث عن تكنولوجيا IoT لكن في علاقتها بالمسيرات المدنية (درون)، وهنا نستحضر أخطر مثال قد يجمع بين التتقنيتين المذكورتين، فبإمكان الطائرات المُسيَّرة المدنية ان تتواصل وتحقق ترابطا شبكيا مع أنظمة معلوماتية أخرى مثل الهواتف الذكية أو وحدات الاستشعار الموزعة لتبادل بيانات الموقع أو تنفيذ أوامر تلقائية، هذا الاتصال، إذا تم اختراقه أو توجيهه لأهداف ضارة، قد يؤدي إلى تنفيذ عمليات لا يمكن للكائن البشري التنبؤ بها أو وقف خطرها.

2- الهجمات السيبرانية... درس من الماضي المقلق

لعل المثال الأكثر شهرة والذي يجسد خطورة هذه التكنولوجيا، هو الهجمات التي نفذتها إسرائيل على أجهزة البيجر الالكترونية اللاسلكية التي ابتكرت سنة 1949، ثم استخدمت في أواخر القرن العشرين للتواصل داخل المؤسسات وبين أعضاء مجموعات وهيئات، كما يتميز الجهاز المذكور بقدرته على استقبال الرسائل النصية والإشارات الصوتية والضوئية... دون الحديث عن أنظمة الحماية السائدة، تمكنت الجهة أعلاه او الجهات المهاجمة من اختراق نظام الاتصال الخاص بهذه الأجهزة عبر التشويش على البروتوكول الذي يتحكم في الشبكة، ما أدى إلى تحديد مواقع الأهداف بدقة ساعدت على تنفيذ وتوجيه هجوم سيبراني مباشر على الأجهزة المستهدفة، مما تسبب في تفجيرها من خلال استغلال الثغرات التقنية الوصفية والمكانية المتاحة لإنجاح العملية، فلك ان تتخيل أن هاته العملية قد تمت من خلال استغلال بروتوكولات الاتصال البسيطة لتنفيذ هجمات مدمرة، فكيف يمكن أن تتطور الأمور إذا تم تسخير الإمكانيات الحديثة لتكنولوجيا انترنت الأشياء؟

3- الدرون وإنترنت الأشياء... مزيج ينذر بالخطر

في ضوء جميع المعطيات المذكورة سلفا، يمكن التأكيد على أن المسيرات المدنية ستشكل خطرا كبيرا على الأمن العالمي لأنها ستصبح سلاحا يفتك بالافراد أكثر ما تفتك المسيرات العسكرية بالجيوش والمدرعات، خصوصا إذا ما تم توصيلها وربطها بأنظمة معلوماتية SI أخرى من خلال تكنولوجيا إنترنت الأشياء IoT، فيمكن للدرون المجهّزة بأجهزة استشعار وشريحة اتصال أن تتواصل مع أنظمة مجهولة X وتساعد في عملية إمدادها بالمعطيات اللازمة لتحديد موقع جغرافي معين بدقة فائقة قد تنتهي بتنفيذ هجمات مستهدفة، مع الوقت سيتضح للجميع أن المشكل يكمن في طبيعة التشفير بين الأجهزة، وهو ما يجعل قنوات التواصل بين نُظُم إنترنت الأشياء أشبه بـ"صندوق أسود ومظلم" يستعصي فهمه أو التحكم فيه، فإذا قرر نظام قيادة الدرون المرتبط بشبكة IoT تنفيذ هجوم بناءً على أوامر مشفرة، فمن سابع المستحيلات أن يقوم الانسان بتعطيل المهمة أو معرفة أسبابها لأنه يجهل اللغة وطبيعة الأمر الذي دار بين الآلة والجهاز بإشراف من التقنية وهو ما يجعل الإنسان خارج مربع الفهم...

4- العصر الرقمي غير المراقب... مستقبل محفوف بالمخاطر

قبل الانطلاق في تشخيص الوضع القائم سأذكر شخصين يختلفان في درجة العلوم الرقمية والمكانة الاقتصادية، شخصين ارخى كلامهم ذات يوم بظلاله على الفضاء الرقمي من خلال خرجات سمعية بصرية موثقة ، الاولى تعود للخبير امين رغيب حينما ظهرت ادوات الذكاء الاصطناعي التوليدي وبرزت أدوارها بشكل دعى الى الانبهار وهو ما دفع أمين رغيب لشرح الوضع من خلال الحديث عن تطوير لغة تواصل بين الروبوتات أو الأجهزة ، هي اللغة التي لم يستطيع أحد فهمها ولا ضبط منهجها وهو ما يدق ناقوس الخطر من خلال توصيف أنهاه رغيب بتوصيف عفوي "فاش شافوهم غايطورو لغة خاصة ديالهم حيدو ليهم لبريزات ولكابلات".

الشخصية الثانية تعود لرجل الأعمال والوزير ضمن التشكيلة الحكومية التي أعلن عنها دونالد ترمب بعد انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، إيلون ماسك الغني عن التعريف والمثير بخرجاته، فهو يُعدّ من أبرز الفاعلين في عالم التكنولوجيا، لطالما حذّر من خطورة الذكاء الاصطناعي غير المقيد. ومع ذلك، فإن توسع تقنيات انترنت الأشياء وارتباطها بتكنولوجيا الدرون يخلق نوعًا جديدًا من التهديدات التي قد تتجاوز حدود المخاوف التقليدية خصوصا فيما يتعلق بالأمن والنظام العام، لنضع في الاعتبار ان تفاعل الأجهزة مع بعضها البعض خارج لغة فهمنا أو نطاق سيطرتنا ستكون نتائجه وخيمة وكارثية، الأمر يستوجب من الدول والفرقاء في مجال التكنولوجيا والخبراء العالميين، العمل على تطوير بروتوكولات أكثر أمانا وصرامة بغية الاطلاع على مسار الاتصال بين الأجهزة وفهم المغزى من أهدافه، منع الاتصالات والترابطات غير المصرح بها قانونيا خصوصا تلك التي تربط بين تكنولوجيا IoT وتقنيات القيادة الاوتوماتيكية لمسيرة درون المدنية، تعزيز أدوات مكافحة الاختراق السيبراني بهدف منع التشويش والتلاعب بالأجهزة المرتبطة بالأنظمة الشبكية...

إن سبب نزول تكنولوجيا إنترنت الأشياء IoT، يتمثل في مدى استطاعتنا على إحداث ثورة إيجابية تواكب الحياة اليومية للإنسان وتجيب على تطلعاته وانتظاراته، فإذا عمدنا الى الإساءة في استخدام هاته التقنيات خصوصا في الشق الذي يربطها رقميا ومعلوماتيا مع المُسيَّرة المدنية (درون) قد تقودنا إلى سيناريوهات خطيرة لا يمكن توقعها، لذلك يتعين على الخبراء التكنولوجيين كل حسب اختصاصه ومجال تدخله، أن يتحملوا مسؤوليتهم في مواجهة هذه التحديات قبل أن يصبح العالم رهينة لأنظمة لا يمكن فهمها ولا السيطرة عليها...



مشاركة