تُمثل الطائرة المقاتلة المسيرة التركية "بيرقدار قيزيل إلما" (Bayraktar Kızılelma) نقلة نوعية في عالم الطائرات غير المأهولة، إذ تختلف جذرياً عن سابقاتها من طراز "بيرقدار TB2" أو "أقينجي". فهي لم تُصمم لمهام الإسناد الأرضي والمراقبة فحسب، بل هُندست لتكون منصة هيمنة جوية قادرة على تنفيذ الاشتباكات الجوية (Dogfights)، والمناورة بسرعات عالية، والعمل بتناغم تام مع الطائرات المأهولة والأنظمة الذكية، مما يجعلها نداً للمقاتلات التقليدية ولكن دون تعريض حياة الطيارين للخطر.
تعتمد النماذج الحالية (Kızılelma-A) على محركات أوكرانية الصنع، وتحديداً محرك (AI-25TLT) الذي يولد قوة دفع تصل إلى 16.9 كيلو نيوتن. يمنح هذا المحرك الطائرة سرعة تحليق تبلغ 0.6 ماخ، وسرعة قصوى تقارب 0.9 ماخ. أما بالنسبة للنسخ الأسرع (Kızılelma-B)، فستزود بمحرك أوكراني أقوى من طراز (AI-322F) يتضمن "حارقاً لاحقاً" (Afterburner) لكسر حاجز الصوت. وفي إطار السعي للاستقلال التام، تعمل تركيا حالياً على تطوير النسخ المستقبلية لتعمل بمحرك محلي الصنع بالكامل من طراز (TF-6000)، والذي تشرف على تصنيعه شركة "توساش لصناعة المحركات" (TEI)، لتعظيم الدفع والكفاءة.
صُمم هيكل الطائرة للعمل في بيئات تشغيلية قاسية وعلى ارتفاعات شاهقة، حيث يصل سقف الخدمة العملياتي إلى 35,000 قدم (ما يعادل 10,600 متر). وتوفر الطائرة نصف قطر قتالي يصل إلى 930 كم، مع قدرة تحمل للبقاء في الجو تصل إلى 5 ساعات متواصلة، مما يمنحها مرونة تكتيكية عالية لتنفيذ مهام طويلة الأمد والعودة لقواعدها بسلام.
الأبعاد والتسليح والأنظمة الإلكترونية
تتميز الطائرة بتصميم انسيابي يراعي تقليل البصمة الرادارية، ويبلغ طولها 14.7 متراً، وباع جناحيها 10 أمتار، وارتفاعها 3.3 متراً. يصل وزن الإقلاع الأقصى إلى 6 أطنان، منها 1.5 طن مخصصة للحمولة القتالية المتنوعة. إلكترونياً، تعتمد الطائرة على رادار "مراد" (MURAD) المتطور من نوع "مصفوفة المسح الإلكتروني النشط" (AESA) المصنع محلياً من قبل شركة "أسيلسان"، والذي يتيح لها رصد وتتبع الأهداف المتعددة بدقة عالية. وتشمل الترسانة الهجومية صواريخ جو-جو من عائلتي "غوكدوغان" (Gökdoğan) و"بوزدوغان" (Bozdoğan) للاشتباك الجوي، وصواريخ كروز (SOM-J) وقنابل ذكية (MAM-L) للضربات الأرضية، مع ميزة فريدة تتمثل في القدرة على الإقلاع والهبوط القصير من على متن حاملة الطائرات والمسيرات "تي سي جي أناضول".
مسار التطوير والإنجاز التاريخي الأخير
انطلق مشروع "قيزيل إلما" كمفهوم تصميمي في عام 2021، وتسارعت وتيرة التطوير ليُنفذ أول تحليق تجريبي بنجاح في 14 ديسمبر 2022، متقدماً على الجدول الزمني المقرر. ومنذ ذلك الحين، تخضع النماذج الأولية لاختبارات صارمة تمهيداً لدخول الخدمة الفعلية المتوقعة بحلول عام 2026.
تُوجت هذه الاختبارات بإنجاز غير مسبوق عالمياً في 30 نوفمبر 2025، حيث أعلنت شركة "بايكار" عن نجاح الطائرة في تنفيذ أول اشتباك جو-جو حقيقي. خلال هذا الاختبار، تمكنت "قيزيل إلما" من رصد هدف جوي نفاث عالي السرعة باستخدام رادارها المدمج (AESA)، ومن ثم إطلاق صاروخ جو-جو من طراز "غوكدوغان" ليصيب الهدف بدقة متناهية. هذا الاختبار لم يثبت كفاءة الأنظمة فحسب، بل جعل من "قيزيل آلما" أول طائرة مسيرة في التاريخ تسقط هدفاً نفاثاً في سيناريو قتال جوي، مما يدشن عصر المعارك الجوية الروبوتية.