في تصريح أثار جدلاً واسعاً في الأوساط التقنية، قال مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، إن الأشخاص الذين لا يستخدمون النظارات الذكية المزودة بالذكاء الاصطناعي سيجدون أنفسهم في المستقبل في "موقف إدراكي صعب للغاية" مقارنةً بمن يستخدمونها. جاء هذا التصريح خلال مكالمة أرباح الربع الثاني لشركة ميتا في يوليو 2025، حيث عرض زوكربيرج رؤيته لما أسماه "الذكاء الفائق الشخصي"، وهو نموذج للذكاء الاصطناعي لا يكتفي بأداء المهام بل يتفاعل مع المستخدم بشكل دائم ويعرف أهدافه ويساعده على تحقيقها.
زوكربيرج أوضح أن النظارات الذكية ستكون الشكل المثالي للتفاعل مع الذكاء الاصطناعي، لأنها تتيح له أن يرى ويسمع ويتحدث مع المستخدم طوال اليوم، مما يمنحه فهماً عميقاً لمحيط المستخدم وتفاعلاته ومقاصده. وأضاف أن إضافة شاشة عرض إلى هذه النظارات سيزيد من قيمتها، سواء عبر عرض هولوجرامات كما في نظارات أوريون القادمة من ميتا، أو عبر شاشات صغيرة مدمجة في النظارات اليومية مثل ميتا راي-يان.
تصريح زوكربيرج لم يكن مجرد رؤية مستقبلية، بل جاء في سياق دفاعه عن استثمارات ميتا الضخمة في قسم Reality Labs، الذي تكبد خسائر تجاوزت 70 مليار دولار منذ عام 2020. النظارات الذكية، بحسب زوكربيرج، هي الرهان الكبير الذي يبرر هذه الاستثمارات، ويشكل بوابة نحو دمج العالمين الرقمي والمادي، بل ويعيد إحياء رؤية الميتافيرس التي تراجعت شعبيتها في السنوات الأخيرة.
وتتصدر ميتا تجارياً سوق النظارات الذكية، حيث باعت أكثر من مليوني وحدة من نظارات ميتا راي-بان منذ 2023، وتستحوذ على أكثر من 60% من السوق العالمي. ولا شك أن ميتا، باعتبارها من أبرز الشركات الرائدة في هذا المجال، تبذل جهوداً مكثفة لدفع الناس نحو تبني هذه النظارات.. لكن ما يقوله زوكربيرج لا يخلو من الحقيقة، فالنظارات الذكية تفتح آفاقاً جديدة للتفاعل الطبيعي مع التقنية. تخيل مثلًا أنك تصلح دراجتك وأنت ترتدي النظارة، ثم تسألها عما يجب فعله عند حدوث عطل معين، فتحصل على إجابة فورية بصوت وصورة. هل توجد وسيلة أخرى تقدم هذا النوع من المساعدة بهذه السلاسة؟
ومع ذلك، لا يمكن للنظارات الذكية أن تحل محل الهاتف تماماً، خصوصاً فيما يتعلق بالتواصل الكتابي الذي يظل ضرورياً للحفاظ على الخصوصية وتجنّب إزعاج الآخرين.
لكن رغم تفوق ميتا الحالي، إلاّ أنها تواجه منافسة متزايدة. شركات مثل شاومي الصينية أطلقت نظارات ذكية بمواصفات تفوق نظارات ميتا على الورق، مثل كاميرات بدقة أعلى ومدة تسجيل فيديو أطول. كما تستعد شركات مثل آبل و سامسونج لدخول السوق بنماذج جديدة. هذه المنافسة تجعل من تصريحات زوكربيرج جزءاً من استراتيجية تسويقية تهدف إلى ترسيخ موقع ميتا كقائد في هذا المجال، وتحفيز تبني واسع للنظارات الذكية قبل أن تشتد المنافسة.
في النهاية، يبدو أن زوكربيرج لا يروج فقط لمنتج، بل لفكرة جديدة عن كيفية تفاعل الإنسان مع التكنولوجيا. النظارات الذكية، في نظره، ليست مجرد إكسسوار، بل امتداد للوعي البشري، ومن لا يمتلكها قد يجد نفسه متأخراً في الاستفادة من القدرات الكبيرة للذكاء الاصطناعي.