يُعد الزركون من الأحجار الكريمة التي استخدمت منذ القدم في الزينة نظراً لبريقه وجماله. ومع تطور العلوم، أصبح بالإمكان معالجة هذا المعدن لاستخراج عنصر الزركونيوم منه، وهو معدن يُستخدم في التطبيقات المتقدمة مثل المفاعلات النووية والتقنيات فوق الصوتية، وذلك بفضل مقاومته العالية للتآكل والحرارة.
أعلنت الصين عن اكتشاف ضخم لرواسب الزركونيوم في حوض كوباي، الواقع في إقليم شينجيانغ شمال غرب البلاد. يُقدر حجم الزركونيوم في هذه الرواسب بحوالي مليوني طن، وهو ما يمثل أربعة أضعاف الاحتياطي المعروف سابقاً في الصين.
تتميز هذه الرواسب، التي تتواجد في طبقات رسوبية تعود إلى حقبتي الباليوجين والنيوجين، بتركيز مرتفع من الزركون يتجاوز 0.2%، مما يجعل استخراجه مجدياً اقتصادياً وبيئياً، حيث يمكن تنفيذه بعمليات تتسم بانخفاض استهلاك الطاقة.
الزركونيوم معدن فضي-رمادي لامع، يتميز بمرونة عالية ومقاومة استثنائية للتآكل والحرارة، حيث تبلغ درجة انصهاره حوالي 1855 درجة مئوية، ويغلي عند 4409 درجة مئوية. هذه الخصائص الفريدة تجعله مكوناً أساسياً في العديد من الصناعات الحيوية. ففي الصناعة النووية، يُستخدم الزركونيوم ككسوة لقضبان الوقود، حيث تساهم مقاومته الفائقة للتآكل وقدرته المنخفضة على امتصاص النيوترونات في استدامة التفاعل النووي بأمان وفعالية، ومنع خروج الإشعاع.
كما يدخل في صناعة الطيران الفرط صوتي والمجالات العسكرية المتقدمة، حيث يُستخدم في تصنيع غرف احتراق المحركات النفاثة، وأجزاء الحماية الحرارية التي تتعرض لدرجات حرارة وضغوط هائلة.
كما يجد الزركونيوم تطبيقات مهمة في الطب الحيوي، فيُستخدم في تصنيع الأطراف الصناعية وزراعة الأسنان، ويُستخدم في الأنابيب والمضخات و في إنتاج السيراميك المتطور والمواد المقاومة للحرارة العالية، مثل بطانات الأفران الصناعية والصبغات الخزفية. أما في عالم المجوهرات والأحجار الكريمة، فيُستخدم أكسيد الزركونيوم المكعب كبديل اصطناعي للماس، نظراً لبريقه العالي وقدرته على تشتيت الضوء بشكل مشابه للألماس.
في الطبيعة، لا يتواجد الزركونيوم كعنصر منفرد، بل يكون مرتبطاً كيميائياً بعناصر أخرى. يُستخرج غالباً من معدن الزركون (ZrSiO4)، الذي يتواجد في رمال الشواطئ ومجاري الأنهار والرواسب الرسوبية. يُعد الزركونيوم العنصر الثامن عشر من حيث الوفرة في القشرة الأرضية، كما يوجد أيضاً في الصخور النارية والمتحولة.
وفقاً لأحدث الإحصاءات المتاحة لعام 2023 والصادرة عن البيانات الأولية للمسح الجيولوجي الأمريكي (USGS)، تظل أستراليا المنتج الأكبر عالمياً للزركون، تليها جنوب أفريقيا في المرتبة الثانية، بينما شهد إنتاج الصين نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، لتصبح بذلك من بين أكبر المنتجين والمستهلكين لهذا المعدن الحيوي. وتساهم دول أخرى مثل إندونيسيا والولايات المتحدة الأمريكية والهند وموزمبيق أيضاً بكميات كبيرة في الإنتاج العالمي.
يُعد هذا الاكتشاف الجديد في حوض كوباي تحولًا استراتيجياً للصين، التي كانت تعتمد بشكل كبير على الاستيراد لتلبية أكثر من 90% من احتياجاتها من الزركونيوم، معظمها من أستراليا. ومع تزايد الطلب العالمي على هذا المعدن، خاصة لتطوير تقنيات الطيران الفرط صوتي والصناعات النووية، يُعزز هذا الاحتياطي الجديد قدرة الصين على تحقيق استقلالية في مواردها، ويمنحها ميزة تنافسية مهمة في السباق العالمي نحو الابتكار العسكري والتكنولوجي.
كما يفتح هذا الاكتشاف آفاقاً جديدة أمام الجيولوجيين للبحث عن رواسب مماثلة داخل القارات، بعد أن كان يُعتقد أن الزركونيوم يتواجد بكميات كبيرة فقط قرب السواحل، مما قد يغير فهمنا الحالي لتوزيع هذه المادة الحيوية على مستوى العالم.