رغم احتدام الصراع في أوكرانيا واستمرار التوتر السياسي بين الولايات المتحدة وروسيا، لا يبدو أن واشنطن تنوي التخلي عن التعاون الفضائي مع موسكو. ففي عالم يتفكك فيه التعاون الدولي في عدة مجالات، يظل الفضاء ساحة شبه وحيدة يحتفظ فيها الطرفان بقنوات تواصل نشطة وبشراكات قائمة.
في خطوة لافتة تعزز هذا المسار، شهد مركز كينيدي الفضائي بولاية فلوريدا اجتماع رفيع المستوى يوم 31 يوليو، جمع المدير المؤقت لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، شون دافي، ورئيس وكالة الفضاء الروسية "روسكوزموس"، دميتري باكانوف. وقد اعتُبر هذا اللقاء الأول من نوعه منذ سنوات، حيث ناقش الجانبان مستقبل الشراكة بينهما في مشاريع الفضاء، وأعادا التأكيد على التزامهما بعدد من الاتفاقات الحيوية، وعلى رأسها تمديد فترة تشغيل محطة الفضاء الدولية حتى عام 2028.
الاتفاقات التي خرج بها الاجتماع لم تقتصر على محطة الفضاء الدولية فحسب، بل تناولت أيضاً استمرار برنامج تبادل المقاعد بين رواد الفضاء من البلدين، ما يعني استمرار إرسال رواد روس على متن مركبات أميركية، والعكس بالعكس.
كما طُرحت أفكار للتعاون في برامج استكشاف الفضاء العميق والقمر، لا سيما ما يرتبط ببرامج مثل "أرتميس" الأميركي والمشاريع القمرية الروسية، رغم عدم وجود اتفاق رسمي على مشاريع مشتركة هناك حتى الآن. وقد شدّد باكانوف على أن الحفاظ على الإرث التاريخي للتعاون الفضائي الذي بدأ منذ مهمة "سويوز–أبولو" عام 1975 هو "مسؤولية مشتركة"، مضيفاً أن "قطع العلاقات سيكون سهلاً، لكن استعادتها سيكون مكلفاً ومعقداً".
في المقابل، تُظهر روسيا توجهاً واضحاً نحو تعزيز شراكاتها الفضائية مع الصين، وهو ما تكرّس عبر مشاريع مشتركة مثل محطة قمرية مستقبلية تخطط لها بكين وموسكو، إضافة إلى تعاون تقني متزايد بين وكالتيهما الفضائيتين. أما أوروبا، فتبدو ضعيفة نسبياً في هذا الميدان، خاصة بعد تقليص دور وكالة الفضاء الأوروبية في مشاريع كبرى مثل محطة الفضاء الدولية وانسحابها التدريجي من بعض المهام ذات الطابع الاستراتيجي.
هذا الواقع يدفع الولايات المتحدة للحفاظ على العلاقة الفضائية مع روسيا، ليس فقط لأسباب فنية أو تاريخية، بل لأنه لا يوجد بديل منافس يضاهي روسيا في بعض المجالات مثل إطلاق المركبات أو الخبرة في إدارة المحطات المدارية. فقد تشكل خسارة هذا التعاون فجوة يصعب على واشنطن سدها في المدى القريب، خاصة في ظل تعقيدات العلاقات مع الصين، والمحدودية الأوروبية في الابتكار الفضائي والتصنيع.