يُعدّ نظير اليورانيوم-235 الوقود الأساسي للمفاعلات النووية، التي تلعب دوراً محورياً في إنتاج الطاقة النظيفة ومنخفضة الكربون. بالرغم من أهميته، فإن احتياطيات اليورانيوم القابلة للاستخراج من القشرة الأرضية محدودة، ويُقدَّر أنها تكفي نحو سبعين عاماً فقط بمعدلات الاستهلاك الحالية.
بالمقابل، تحتوي محيطات العالم على كمية هائلة من اليورانيوم تُقدر بـ 4.5 مليار طن، وهي كمية كافية لتلبية احتياجات البشرية من الطاقة النووية لقرون طويلة. لكن المشكلة الكبرى تكمن في أن تركيز اليورانيوم في مياه البحر منخفض جداً، ما جعل عملية استخلاصه تحدياً تقنياً صعباً ومكلفاً على مدى عقود.
كانت التقنيات التقليدية التي تعتمد على مواد مثل الألياف المشبعة بمركبات الأميدوكسيم تواجه عيوباً واضحة. فمن ناحية، كانت تعاني من ضعف الانتقائية، حيث كانت تلتقط أيونات منافسة (مثل الفاناديوم والمغنيسيوم) بدلاً من التركيز فقط على أيونات اليورانيوم (UO22+), مما يقلل من كفاءتها ويجعل عملية الفصل معقدة ومكلفة. ومن ناحية أخرى، كانت قدرة هذه المواد على الاستخلاص محدودة جداً، نظراً لأن مواقع الارتباط الجزيئية لم تكن مصممة بدقة لتتناسب مع شكل أيونات اليورانيوم، ما أدى إلى كميات صغيرة جداً من اليورانيوم المستخلص بعد نقع طويل.
إلا أن فريقاً بحثياً من جامعتي ويفانغ وشمال الصين للطاقة الكهربائية قدم حلاً ثورياً عبر ابتكار مادة جديدة تُحدث نقلة نوعية في هذا المجال. هذا الابتكار يتمثل في مادة من فئة الأطر العضوية التساهمية المُحسَّنة (S-COFs)، ويكمن سر فعاليتها في هندستها الجزيئية الدقيقة التي تُعرف باسم "تكديس AB" (AB Stacking). تقوم هذه التقنية على ترتيب طبقات المادة بشكل غير متطابق، ما يؤدي إلى إنشاء فراغات دقيقة ومنتظمة داخل هيكل المادة. الأهم من ذلك، صُممت هذه الفراغات لتتطابق تماما مع الشكل الهندسي لأيونات اليورانيوم، بينما تتجاهل الأيونات الأخرى الأكبر أو الأصغر حجماً، وهو ما يعزز من قدرة المادة على الارتباط باليورانيوم بمقدار يصل إلى ألف مرة مقارنة بالتصاميم السابقة.
عند اختبار المادة الجديدة في مياه البحر الطبيعية، سجلت أداءً مبهراً، حيث تمكنت من استخلاص 31.5 ملغ من اليورانيوم لكل غرام من المادة خلال 24 ساعة فقط، وهو أعلى أداء مسجل حتى الآن. وقد أكدت هذه النتائج الانتقائية الفائقة للمادة وقدرتها على تجاهل الأيونات المنافسة، بالإضافة إلى كونها قابلة لإعادة الاستخدام، مما يجعلها مناسبة للتطبيقات العملية الواسعة.
يفتح هذا التطور الباب أمام حل مشكلة ندرة احتياطيات اليورانيوم الأرضية، ويعزز بقوة مستقبل الطاقة النووية كأحد أعمدة التحول نحو الطاقة النظيفة. فإذا أمكن تطبيق وتوسيع هذه التقنية إلى نطاق صناعي، فقد تتحول المحيطات إلى مصدر مستدام ولامتناهي لوقود المفاعلات، مما يضمن استمرار دور الطاقة النووية في خفض الانبعاثات الكربونية لقرون قادمة.
نشرت الدراسة في مجلة Sustainable Carbon Materials.