اخترُعت السماعة الطبية في عام 1816، ومنذ ذلك الحين أصبحت أداة تشخيصية أساسية لا غنى عنها للطبيب، حيث تسمح بالاستماع إلى الأصوات الداخلية للجسم. لكنها لم تشهد تطورات جذرية، على عكس الأجهزة الشخصية كالساعات والنظارات التي تحولت إلى أجهزة ذكية متطورة. واليوم، بفضل التقدم التقني، بدأت السماعة الطبية تلحق بهذا الركب.
فقد طور باحثون في "إمبريال كوليدج لندن" سماعة طبية ذكية، مزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، قادرة على إحداث نقلة نوعية في مجال تشخيص أمراض القلب. تتمكن هذه السماعة من تحليل الفروقات الدقيقة في أصوات القلب وتدفق الدم التي لا تستطيع الأذن البشرية تمييزها، بالإضافة إلى إجراء تخطيط سريع لكهربية القلب (ECG). هذا المزيج التقني يمكّن الأطباء من الكشف الفوري والمبكر عن ثلاث حالات قلبية خطيرة خلال 15 ثانية فقط، وهي: قصور القلب (Heart Failure)، والرجفان الأذيني (Atrial Fibrillation)، وأمراض صمامات القلب (Heart Valve Disease).
التجارب السريرية والنتائج
أظهرت نتائج تجربة سريرية واسعة النطاق، عُرِضت في المؤتمر السنوي للجمعية الأوروبية لأمراض القلب ونُشرت في مجلة BMJ Open، فعالية هذه التقنية. شملت التجربة فحص آلاف المرضى في عيادات الطب العام في بريطانيا، مع التركيز على الأشخاص الذين يعانون من أعراض مثل ضيق التنفس أو التعب.
كشفت النتائج أن استخدام السماعة الذكية زاد بشكل كبير من معدلات اكتشاف هذه الأمراض مقارنة بالطرق التقليدية. فقد كان المرضى الذين فُحصوا بهذه التقنية أكثر عرضة لتشخيص إصابتهم بقصور القلب بنسبة 2.33 مرة، وبالرجفان الأذيني بنسبة 3.45 مرة، وبأمراض صمامات القلب بنسبة 1.92 مرة خلال الاثني عشر شهراً التالية للفحص.
ويُعد التشخيص المبكر لهذه الحالات الثلاث في مراحلها الأولى أمراً بالغ الأهمية، إذ يسمح بالبدء في العلاج اللازم في الوقت المناسب، مما قد ينقذ حياة المرضى ويمنع تدهور حالتهم الصحية. فقصور القلب، على سبيل المثال، غالباً ما يُشخَّص في مراحل متأخرة بعد دخول المريض إلى المستشفى في حالة طارئة. تمنح هذه السماعة فرصة ثمينة لاكتشاف المشكلة قبل أن تصل إلى هذه المرحلة الحرجة.
ورغم إمكانياتها الواعدة، تواجه التقنية تحدياً كبيراً يتمثل في معدل الخطأ المرتفع نسبياً (النتائج الإيجابية الكاذبة). فالكثير من الأشخاص الذين أشارت السماعة إلى احتمالية إصابتهم بقصور القلب، تبيّن لاحقاً بعد إجراء فحوصات الدم والتصوير القلبي أنهم غير مصابين به.
قد تؤدي هذه النسبة المرتفعة إلى قلق لا داعي له لدى المرضى وإجراء فحوصات إضافية مكلفة وغير ضرورية. ومع ذلك، يرى الباحثون أن فائدة الكشف عن الحالات الحقيقية التي كان من الممكن إغفالها تفوق هذا الجانب السلبي، مؤكدين على أهمية استخدام السماعة كأداة فحص للمرضى الذين يعانون بالفعل من أعراض قلبية محتملة، وليس كأداة فحص روتيني للأشخاص الأصحاء.
تعمل السماعة الذكية بآلية تجمع بين الجهاز الفعلي والتحليل السحابي المتقدم. فبالإضافة إلى الميكروفون عالي الدقة الذي يلتقط أصوات القلب، تحتوي السماعة في الجزء الذي يلامس صدر المريض على أقطاب كهربائية صغيرة. عندما يضع الطبيب السماعة على المريض، تقوم هذه الأقطاب المدمجة بتسجيل تخطيط كهربية القلب (ECG) في نفس اللحظة. وبهذا، تلتقط السماعة نوعين من المعلومات الحيوية معاً: صوت القلب وإشاراته الكهربائية.
تُرسَل هذه البيانات بشكل فوري وآمن إلى منصة سحابية، حيث تحللها خوارزميات الذكاء الاصطناعي. وقد دُرّبت هذه الخوارزميات على مجموعة ضخمة من البيانات الصحية لعشرات الآلاف من المرضى، مما يسمح لها بتحديد الأنماط الدقيقة والشاذة التي قد لا يلاحظها الطبيب. بعد التحليل، تُرسَل النتيجة مباشرة إلى هاتف ذكي، موضحةً ما إذا كان المريض معرضاً لخطر الإصابة بإحدى الحالات المستهدفة.
المستقبل والتحديات
إن دمج الذكاء الاصطناعي في أداة طبية عريقة مثل السماعة هو مثال ساطع على كيفية تحديث الأدوات التقليدية لتلبية متطلبات الطب في القرن الحادي والعشرين. مع استمرار تطور الخوارزميات وتحسن دقتها، من المتوقع أن يزداد الاعتماد على مثل هذه الأدوات الذكية، مما قد يجعلها جزءاً لا يتجزأ من الفحص السريري الروتيني، ويساهم في إحداث تغيير جذري في طرق اكتشاف أمراض القلب وإدارتها.