نجحت شركة روسآتوم في ابتكار تقنية صناعية جديدة لإنتاج فلوريد الليثيوم-7 عالي النقاء، وهو الإنجاز الذي يمثل حجر الزاوية والخطوة الأهم نحو تشغيل مفاعلات الجيل الرابع النووية، وتحديداً تلك التي تعمل بتقنية الملح المصهور.
تكتسب هذه الخطوة أهمية بالغة، من كون فلوريد الليثيوم-7 يشكل المبرد الأساسي الذي لا غنى عنه لتشغيل هذه المفاعلات المتطورة؛ إذ يتيح لها العمل بكفاءة وأمان في بيئات تشغيلية ذات درجات حرارة فائقة تصل إلى مستويات قياسية تتراوح بين 500 و1400 درجة مئوية. ويكمن السر في قدرة هذا الملح الفريدة على البقاء في الحالة السائلة المستقرة عند هذه الحرارة الشديدة دون الحاجة لضغط مرتفع، وهو ما يميزها جذرياً عن المفاعلات التقليدية التي تحتاج ضغطاً هائلاً لمنع غليان الماء، ويعزز من معايير السلامة فيها.
تعتمد هذه التقنية الجديدة، التي تُطبق لأول مرة داخل روسيا، على إدخال مركبات الليثيوم-7 الأولية، مثل الهيدروكسيد، في تفاعل دقيق مع مركبات فلورية صلبة داخل بيئة محكمة السيطرة حرارياً، لتكون النتيجة إنتاج فلوريد الليثيوم-7 مباشرة في الحالة الصلبة. وتضمن هذه الطريقة الحصول على درجات نقاء عالية جداً تعتبر شرطاً لازماً لمنع تكون غاز التريتيوم المشع وضمان استقرار الملح كيميائياً داخل المفاعل على المدى الطويل، فضلاً عن تقليل الفاقد في النظائر وتقليص النفايات الفلورية الضارة، مما يجعل العملية برمتها أكثر جدوى اقتصادية وبيئية.
يُعد هذا التقدم الروسي تحولاً نوعياً في ميزان القوى الطاقي، إذ ينقل روسيا من مرحلة البحث النظري إلى القدرة الفعلية على تصنيع وقود المستقبل ومنافسة الصين التي سبقت بتشغيل مفاعل تجريبي عام 2021، وكذلك الولايات المتحدة وأوروبا.
ومع خطة روسآتوم لتوسيع الإنتاج ليصل إلى طن واحد سنوياً، قد تتحول مفاعلات الملح المصهور من مجرد مشاريع بحثية إلى محطات طاقة واقعية قادمة خلال العقد المقبل، قادرة على توفير كهرباء نظيفة وآمنة بتكاليف أقل.