أحدثت شركة إنفيديا هزة كبيرة في أوساط التكنولوجيا بصفقة ضخمة وغير تقليدية مع منافستها الصاعدة "جروك" (Groq)، حيث دفعت مبلغاً وصل إلى 20 مليار دولار. لم تكن هذه العملية استحواذاً كاملاً بالمعنى التقليدي، بل تمت هندستها بذكاء قانوني عبر اتفاقية "ترخيص وتوظيف".

بموجب هذا الاتفاق، حصلت إنفيديا على رخصة شاملة ودائمة لاستخدام براءات اختراع وتقنيات جروك، والأهم من ذلك أنها قامت بنقل المؤسس العبقري "جوناثان روس" ومعه كامل الفريق الهندسي والتقني للعمل مباشرة داخل مكاتب إنفيديا، تاركة شركة جروك ككيان قانوني يقدم خدمات سحابية فقط ولكنه مفرغ من عقوله المبتكرة.

من الناحية النظرية والقانونية، لا تزال شركة جروك قائمة ومستقلة، ولكن من الناحية العملية والواقعية، فإن إنفيديا قد ابتلعت قدرات الشركة بالكامل. السبب الرئيسي وراء هذا الهيكل المعقد للصفقة هو رغبة إنفيديا في الالتفاف على هيئات مكافحة الاحتكار في أمريكا وأوروبا؛ فلو قامت بشراء الشركة بالكامل، لتدخل المشرعون فوراً لإيقاف الصفقة خوفاً من احتكار السوق، مما قد يجمد العملية لسنوات في المحاكم. لذا، اختارت إنفيديا شراء الجوهر المتمثل في التكنولوجيا والموظفين فوراً، وتجنب الصداع القانوني الناتج عن الاندماج الرسمي للشركات.

تكمن القيمة الحقيقية لهذه الصفقة في التكنولوجيا الثورية التي طورتها جروك، والمعروفة بـ "وحدة المعالجة اللغوية" (LPU). تختلف هذه الشريحة جذرياً عن معالجات الرسوميات (GPU) التي تنتجها إنفيديا؛ فبينما تسيطر إنفيديا على مرحلة تدريب النماذج الضخمة، تأتي شرائح جروك لتكتسح مرحلة الاستنتاج (Inference)، وهي اللحظة التي يقوم فيها المستخدم بسؤال الذكاء الاصطناعي وانتظار الرد. صُممت شرائح LPU خصيصاً للتعامل مع البيانات المتسلسلة مثل النصوص والأوامر الصوتية، مما يجعلها الحل الأمثل للتطبيقات التي تتطلب استجابة لحظية.

يظهر التفوق التقني لشرائح جروك في السرعة الهائلة التي تتراوح بين 3 إلى 5 أضعاف سرعة أحدث شرائح إنفيديا في مهام توليد النصوص بشكل خاص. يعود هذا الفارق الكبير إلى الهندسة المعمارية للشريحة؛ حيث تعتمد إنفيديا على ذكراة خارجية ضخمة تتطلب وقتاً لنقل البيانات (مثل قطار بضائع قوي ولكنه بطيء الانطلاق)، بينما وضعت جروك الذاكرة السريعة (SRAM) داخل الشريحة نفسها، مما ألغى وقت الانتظار وجعل معالجة البيانات فورية ومحددة زمنياً بدقة متناهية.

بفضل هذه الصفقة، ستمتلك إنفيديا الآن التقنية التي كانت تنقصها لتشغيل المساعدات الصوتية والردود الفورية بسرعة كبيرة وكفاءة عالية، بالاعتماد على أحد أبرز منافسيها سابقاً.