شهد مؤتمر الجمعية الكيميائية الأمريكية (ACS) المنعقد في مدينة دنفر بربيع عام 2025، كشفاً علمياً واعداً قدمه فريق بحثي من جامعة داغو غيونغبوك للعلوم والتكنولوجيا (DGIST) بكوريا الجنوبية، تمثل في تطوير نموذج متطور لبطارية "بيتافولتية" تعتمد على نظير الكربون-14. يمهد هذا الإنجاز الطريق لجيل جديد من البطاريات النووية المصغرة التي تحول النفايات المشعة إلى مصدر طاقة نظيف ومستقر يدوم لعقود طويلة.
تستند آلية عمل هذه البطارية إلى مبدأ مشابه للخلايا الشمسية، ولكن بدلاً من الاعتماد على فوتونات الضوء، فإنها تستغل "أشعة بيتا" (إلكترونات عالية الطاقة) المنبعثة من التحلل الإشعاعي للكربون-14.
الابتكار الحقيقي يكمن في تصميم الخلية: الفريق أعاد هندسة الأقطاب بحيث يحتوي كل من الأنود والكاثود على الكربون‑14، ما ضاعف فرص إنتاج الإلكترونات وقلل من فقدانها. كما أضافوا طبقة نانوية من ثاني أكسيد التيتانيوم مطلية بصبغة روثينيوم، وهي مادة قادرة على امتصاص الطاقة وتحفيز انتقال الإلكترونات بكفاءة عالية. هذا الدمج بين المصدر الإشعاعي على القطبين والطبقة الصبغية أدى إلى تدفق منتظم للإلكترونات نحو الدائرة الكهربائية، فارتفعت الكفاءة إلى 2.86% بعد أن كانت لا تتجاوز 0.48% في النماذج السابقة.
وقع اختيار العلماء على الكربون-14 لعدة اعتبارات عملية وبيئية؛ فهو ناتج ثانوي وفير في المفاعلات النووية، مما يحول عبء التخلص منه إلى فرصة استثمارية، كما يتميز بعمر نصف طويل جداً يناهز 5700 سنة، ما يضمن استدامة المصدر لقرون.
ومن ناحية الآمان، تعتبر جسيمات بيتا الصادرة عنه ذات طاقة منخفضة وضعيفة الاختراق، حيث يمكن احتواؤها بالكامل باستخدام غلاف رقيق من الألمنيوم، مما يجعل البطارية آمنة تماماً للاستخدام البشري دون أي مخاطر تسرب إشعاعي.
على الرغم من أن هذا الابتكار لا يزال في مرحلة النماذج الأولية البحثية، وتنتج طاقة ضئيلة حالياً (في نطاق النانوواط والميكروواط) لا تكفي لتشغيل الأجهزة المستهلكة للطاقة كالهواتف الذكية، إلا أنها تمثل حلاً جذرياً للتطبيقات الاستراتيجية الحساسة. فهي مثالية للأجهزة التي تتطلب طاقة منخفضة ولكنها تحتاج للعمل مدى الحياة دون صيانة أو إعادة شحن، مثل منظمات ضربات القلب والأجهزة الطبية المزروعة، مما يغني المرضى عن العمليات الجراحية المتكررة لاستبدال البطاريات.
كما يفتح هذا التقدم آفاقاً واسعة لاستخدام البطارية في الأقمار الصناعية المصغرة، ومجسات الاستشعار في أعماق المحيطات أو الفضاء البعيد حيث ينعدم ضوء الشمس ويصعب التدخل البشري.