في السباق نحو الوصول لشبكات الاتصالات اللاسلكية من الجيل السادس (6G)، نجح باحثون في مختبرات الجبل الأرجواني (Purple Mountain Laboratories - PML) في الصين في تحقيق سرعة نقل غير مسبوقة بلغت 1 تيرابت في الثانية، وهو ما يعادل 50 إلى 100 ضعف السرعات المتوفرة في شبكات 5G الحالية، لكن هذه السرعة تم الحفاظ عليها لمسافة قصيرة جداً.
ولتحقيق ذلك، قام الباحثون بحل مشكلة "التوهين" التي تتعرض لها موجات التيراهرتز؛ وهي موجات ذات ترددات عالية (تتراوح بين 300 و500 جيجاهرتز) ومسؤولة عن نقل البيانات بسرعات عالية، لكنها تعاني من تلاشٍ سريع للإشارة بعد ابتعادها عن المصدر، بالإضافة إلى امتصاصها من قبل الغلاف الجوي بشراهة.
لهذا، عمد الفريق إلى دمج تقنيات الفوتونيات والإلكترونيات معاً في نظام هجين لتوليد ومعالجة الإشارة اللاسلكية، حيث يتم دمج أشعة الليزر مع الدوائر الإلكترونية لإنتاج موجات ترددية عالية الدقة والاستقرار في النطاق 330-500 جيجاهرتز، وهو أمر تعجز الإلكترونيات التقليدية عن فعله بكفاءة في هذه الترددات العالية.
أثمر هذا التزاوج التقني عن تحقيق رقم قياسي في سعة نقل البيانات، حيث وصل معدل النقل إلى 1.0488 تيرابت في الثانية. وهنا يجب توضيح نقطة جوهرية؛ وهي أن هذا الرقم الهائل (1 تيرابت) يتحقق في المسافات القصيرة جداً التي لا تتجاوز عدة أمتار، أي كحل لربط الشبكات ببعضها وليس عبر المسافات الطويلة المفتوحة. يعتمد هذا النظام على الألياف الضوئية لنقل البيانات، لتأتي تقنية 6G في الطرف النهائي وتجعل الاتصال لاسلكياً، مما يمكنها من بث المحتوى المعقد كالواقع الافتراضي والهولوغرام آنياً داخل المباني والمنشآت دون الحاجة لتوصيلات سلكية مباشرة.
ولم يتوقف الإنجاز عند السرعة الهائلة للمسافات القصيرة، بل امتد ليشمل تحدي المسافات البعيدة، وهو الاختبار الحقيقي لجدوى شبكات 6G. ولتحقيق ذلك، استخدم الباحثون "عدسات" هوائية عالية الكسب تعمل تماماً كالتلسكوب لتركيز الإشارة، مدعومة بمضخمات طاقة مصنوعة من مادة "فوسفيد الإنديوم" (InP). وبفضل هذه الترسانة التقنية، نجح الفريق في إنشاء أول وصلة لاسلكية قادرة على اختراق الضباب لمسافة 3 كيلومترات عند تردد 312 جيجاهرتز، مما يبدد المخاوف بشأن انقطاع شبكات المستقبل في الظروف الجوية السيئة.
والأكثر إبهاراً هو تحقيق بث تاريخي لمسافة 30.2 كيلومتر على الأرض، ورغم أن السرعة في هذه المسافة الطويلة لم تكن 1 تيرابت، إلا أنها حققت ناتج "سعة-مسافة" غير مسبوق (حوالي 18 جيجابت في الثانية)، وهو تحسن بمقدار 8 أضعاف مقارنة بالأرقام القياسية السابقة، مما يثبت إمكانية استخدام هذه التقنية للربط بين أبراج الاتصالات في المدن.
وفي نظرة طموحة نحو السماء، شملت التجارب محاكاة للاتصال بين الأرض والأقمار الصناعية لمسافة تصل إلى 36,000 كيلومتر. وقد أثبتت المحاكاة إمكانية تحقيق سرعة نقل تصل إلى 100 جيجابت في الثانية عند تردد 300 جيجاهرتز، باستخدام خوارزميات ذكية (MIMO-DSP) تقوم بتنظيف الإشارة وتصحيح الأخطاء الناتجة عن الغلاف الجوي وحركة الأقمار، مما خفض معدل الأخطاء بشكل كبير.
تقدم هذه النتائج المجتمعة إطاراً عملياً لشبكات المستقبل المتكاملة (فضاء-جو-أرض)، حيث تتكامل الألياف الضوئية مع موجات التيراهرتز لتوفير سرعات تيرابت في النقاط القريبة، واتصالات صلبة ومستقرة تمتد لعشرات الكيلومترات على الأرض وآلاف الكيلومترات في الفضاء.
نشرت تفاصيل الإنجاز في عدة أوراق علمية.